ولهذا قال تعالى :﴿وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات﴾ [ الأحزاب : ٧٣ ] أي كما تاب على آدم في قوله تعالى :﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [ البقرة : ٣٧ ] والكافر صار آخذاً للأمانة من المؤتمن فبقي في ضمانه، ثم إن المؤمن إذا أصاب الأمانة في يده شيء بقضاء الله وقدره كان ذلك من غير تقصير منه والأمين لا يضمن ما فات بغير تقصير، والكافر إذا أصاب الأمانة في يده شيء ضمن وإن كان بقضاء الله وقدره، لأنه يضمن ما فات وإن لم يكن بتقصير اللطيفة الثانية : خص الأشياء الثلاثة بالذكر لأنها أشد الأمور وأحملها للأثقال، وأما السموات فلقوله تعالى :﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً﴾ [ النبأ : ١٢ ] والأرض والجبال لا تخفى شدتها وصلابتها، ثم إن هذه الأشياء لما كانت لها شدة وصلابة عرض الله تعالى الأمانة عليها واكتفى بشدتهن وقوتهن فامتنعن، لأنهن وإن كن أقوياء إلا أن أمانة الله تعالى فوق قوتهن، وحملها الإنسان مع ضعفه الذي قال الله تعالى فيه :﴿وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً﴾ [ النساء : ٢٨ ] ولكن وعده بالإعانة على حفظ الأمانة بقوله :﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [ الطلاق : ٣ ] فإن قيل فالذي يعينه الله تعالى كيف يعذب فلم يعذب الكافر ؟ نقول قال الله تعالى :" أنا أعين من يستعين بي ويتوكل علي " والكافر لم يرجع إلى الله تعالى فتركه مع نفسه فيبقى في عهدة الأمانة اللطيفة الثالثة : قوله تعالى :﴿فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا﴾ وقوله تعالى :﴿وَحَمَلَهَا الإنسان﴾ إشارة إلى أن فيه مشقة بخلاف ما لو قال فأبين أن يقبلنها وقبلها الإنسان، ومن قال لغيره افعل هذا الفعل فإن لم يكن في الفعل تعب يقابل بأجرة فإذا فعله لا يستحق أجرة فقال تعالى :﴿وَحَمَلَهَا﴾ إشارة إلى أنه مما يستحق الأجر عليه أي على مجرد حمل الأمانة، وإما على رعايتها حق الرعاية فيستحق الزيادة فإن قيل فالكل حملوها، غاية ما في الباب أن


الصفحة التالية
Icon