﴿ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ﴾ مخافةً وخشيةً لا معصية ومخالفة، وكان العَرض تخييراً لا إلزاماً ﴿ وَحَمَلَهَا الإنسان ﴾ واختلفوا في الأمانة، فقال أكثر المفسّرين : هي الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده، عَرَضها على السماوات والأرض والجبال، إنْ أدّوها أثابهم وإنْ ضيّعوها عذّبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيماً لدين الله أن لا يقوموا بها وقالوا : لا، نحن مسخّرات لأمرك لا نريد ثواباً ولا عقاباً.
فقال الله تعالى لآدم : إنّي عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذها بما فيها؟ قال : يا ربّ وما فيها؟ قال : إنْ أحسنت جُزيت، وإنْ أسأت عوقبت، فتحمّلها آدم صلوات الله عليه وقال : بين أُذني وعاتقي، فقال الله تعالى : أمّا إذا تحمّلت فسأُعينك فاجعل لبصرك حجاباً، فإذا خشيت أنْ تنظر إلى ما لايحلّ لك فأرخِ عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغلقاً، فإذا خشيت فاغلق، واجعل لفرجك لباساً فلا تكشفه على ما حرَّمتُ عليك.
قالوا : فما لبث آدم إلاّ مقداراً ما بين الظهر والعصر حتى أُخرج من الجنّه. وقال مجاهد : الأمانة الفرائض وحدود الدين. وأبو العالية : هي ما أُمروا به ونُهوا عنه. وقال زيد بن أسلم وغيره : هي الصوم والغسل من الجنابة وما يخفى من شرائع الدين.
أنبأني عقيل بن محمد، عن المعافى بن زكريا، عن محمد بن جرير الطبري، عن محمد بن خالد العسقلاني عن عبد الله بن عبد المجيد الحنفي قال : أخبرنا أبو العوام القطان عن قتادة وأبان بن أبي عبّاس عن خليد العصري عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : خمس مَنْ جاء بهنّ يوم القيامة مع إيمان دخل الجنّة : من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهنّ ومواقيتهنّ، وأعطى الزكاة من ماله عن طيب نفس وكان يقول :[ وأيم ] الله لا يفعل ذلك إلاّ مؤمن وأدّى الأمانة.