قال الفقيه الإمام القاضي : والعصاة على قدرهم، وقال ابن عباس والضحاك وغيره ﴿ الإنسان ﴾ آدم تحمل الأمانة فما تم له يوم حتى عصى المعصية التي أخرجته من الجنة، وروي أن الله تعالى قال له :" يا آدم إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها فتحملها أنت بما فيها. قال : وما فيها؟ قال : إن أحسنت أجرت وإن أسأت عوقبت "، قال نعم قد حملتها، قال ابن عباس فما بقي له قدر ما بين الأولى إلى العصر حتى عصى ربه، وقال ابن عباس وابن مسعود ﴿ الإنسان ﴾ ابن آدم قابيل الذي قتل أخاه وكان قد تحمل الأمانة لأبيه أن يحفظ الأهل بعده، وكان آدم سافر إلى مكة في حديث طويل ذكره الطبري وغيره، وقال بعضهم ﴿ الإنسان ﴾ النوع كله وهذا حسن مع عموم الأمانة، وقال الزجاج معنى الآية ﴿ إنا عرضنا الأمانة ﴾ في نواهينا وأوامرنا على هذه المخلوقات فقمن بأمرنا وأطعن فيما كلفناها وتأبين من حمل المذمة في معصيتنا، وحمل الإنسان المذمة فيما كلفناه من أوامرنا وشرعنا.
قال الفقيه الإمام القاضي : و﴿ الإنسان ﴾ على تأويله الكافر والعاصي، وتستقيم هذه الآية مع قوله تعالى :﴿ أتينا طائعين ﴾ [ فصلت : ١١ ] فعلى التأويل الأول الذي حكيناه عن الجمهور يكون قوله تعالى :﴿ أتينا طائعين ﴾ [ فصت : ١١ ] إجابة لأمر أمرت به، وتكون هذه الآية إباية وإشفاقاً من أمر عرض عليها وخيرت فيه، وروي أن الله تعالى عرض الأمانة على هذه المخلوقات فأبت، فلما عرضها الله تعالى على آدم قال : أنا أحملها بين أذني وعاتقي، فقال الله تعالى له : إني سأعينك قد جعلت لبصرك حجاباً فأغلقه عما لا يحل لك ولفرجك لباساً فلا تكشفه إلا على ما أحللت لك.


الصفحة التالية
Icon