وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّا عَرَضْنا الأمانة ﴾
فيها قولان.
أحدهما : أنها الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، إِن أدَّتها أثابها، وإِن ضيَّعَتْها عذَّبها، فكرهتْ ذلك ؛ وعرضها على آدم فقَبِلها بما فيها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ؛ وكذلك قال سعيد بن جبير : عُرضت الأمانة على آدم فقيل له : تأخذها بما فيها، إِن أطعتَ غفرتُ لك، وإِن عصيتَ عذَّبتُك، فقال : قَبِلتُ، فما كان إِلاَّ كما بين صلاة العصر إِلى أن غَرَبت الشمس حتى أصاب الذَّنْب.
وممن ذهب إِلى أنها الفرائض قتادة، والضحاك، والجمهور.
والثاني : أنها الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها.
روى السدي عن أشياخه أن آدم لمَّا أراد الحج قال للسماء : احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض، فأبت، وقال للجبال، فأبت، فقال لقابيل، فقال : نعم، تذهب وتجيء وتجد أهلك كما يسرُّك، فلما انطلق آدم، قتل قابيلُ هابيلَ، فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه، فذلك حيث يقول الله عز وجل :﴿ إِنّا عَرَضْنا الأمانة ﴾ إِلى قوله ﴿ وحَمَلَها الإِنسانُ ﴾ وهو ابن آدم، فما قام بها.
وحكى ابن قتيبة عن بعض المفسرين أن آدم لمّا حضرته الوفاة قال : يا ربِّ، من أستخلف من بعدي؟ فقيل له : اعرض خلافتك على جميع الخلق، فعرضها، فكلٌّ أباها غير ولده.
وللمفسرين في المراد بعَرْض الأمانة على السماوات والأرض قولان.
أحدهما : أن الله تعالى ركَّب العقل في هذه الأعيان، وأفهمهنَّ خطابه، وأنطقهنَّ بالجواب حين عرضها عليهنَّ، ولم يُرد بقوله :﴿ أبَيْنَ ﴾ المخالَفَة، ولكنْ أَبَيْنَ للخَشية والمخافة، لأن العَرْض كان تخييراً لا إِلزاماً، و ﴿ أشفقن ﴾ بمعنى خِفْنَ منها أن لا يؤدِّينَها فيلحقهنَّ العقاب، هذا قول الأكثرين.


الصفحة التالية
Icon