وقال الخطيب الشربينى :
ولما ذكر تعالى ما فرض في الأزواج والإماء الشامل للعدل في عشرتهن وكان ﷺ أعدل الناس فيهما وأشدهم لله خشية، وكان يعدل بينهن ويعتذر مع ذلك عن ميل القلب الذي هو خارج عن طوق البشر بقوله :"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك" خفف عنه سبحانه وتعالى بقوله:
﴿ترجي﴾ أي : تؤخر وتترك مصاحبتها ﴿من تشاء منهن وتؤوي﴾ أي : تضم ﴿إليك من تشاء﴾ وتضاجعها، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بياء ساكنة بعد الجيم من الإرجاء أي : تؤخرها مع أفعال تكون بها راجية لعطفك، والباقون بهمزة مضمومة وهو مطلق التأخير ﴿ومن ابتغيت﴾ أي : طلبت ﴿ممن عزلت﴾ أي : من القسمة ﴿فلا جناج عليك﴾ أي : في وطئها وضمها إليك.
تنبيه : اختلف المفسرون في معنى هذه الآية : فأشهر الأقوال أنها في القسم بينهن، وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبة عليه، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن. وقال ابن زيد : نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي ﷺ وطلب بعضهن زيادة في النفقة فهجرهن النبي ﷺ شهراً حتى نزلت آية التخيير، فأمره الله عز وجل أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا، ويمسك من اختارت الله ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين، وأن لا ينكحن أبداً، وعلى أن يؤوي إليه من يشاء ويرجي من يشاء فيرضين، قسم لهن أو لم يقسم قسم، لبعضهن دون بعض، أو فضل بعضهن في النفقة والقسمة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء، وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط، وذلك ؛ لأن النبي ﷺ بالنسبة إلى أمته نسبة السيد المطاع. والرجل وإن لم يكن نبياً فالزوجة في ملك نكاحه، والنكاح عليها رق، فكيف زوجات النبي ﷺ بالنسبة إليه، فإذا هن كالمملوكات له ولا يجب لقسم بين المملوكات.