ولما رقاهن تعالى لهذا الأمر خفف عاقبة ما كن فيه من التشبيه بالإماء فأخبرهن تعالى بوسع كرمه وجوده بقوله تعالى :﴿وكان الله﴾ أي : الذي له الكمال المطلق أزلاً وأبداً ﴿غفوراً﴾ أي : لما سلف منهن من ترك الستر فهو محاء للذنوب عيناً وأثراً ﴿رحيماً﴾ بهن إذ سترهن وبمن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه قال البغوي : قال أنس : مرت بعمر جارية مقنعة فعلاها بالدرة وقال : يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ألقي القناع ويظهر أن عمر إنما فعل ذلك خوفاً من أن تلتبس الإماء بالحرائر فلا يعرف الحرائر فيعود الأمر كما كان.
ولما كان المأذون بما مضى وغيره أهل النفاق ومن داناهم حذرهم بقوله تعالى مؤكداً دفعاً لظنهم دوام الحلم عليهم:
﴿لئن لم ينته﴾ عن الأذى ﴿المنافقون﴾ أي : الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ﴿والذي في قلوبهم مرض﴾ أي : غل مقرب من النفاق حامل على المعاصي ﴿والمرجفون في المدينة﴾ المؤمنين أي : بالكذب وذلك أن ناساً منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله ﷺ يذيعون في الناس أنهم قد قتلوا أو هزموا ويقولون : قد أتاكم العدو ونحو ذلك، وأصل الرجفة : التحريك من الرجفة وهي الزلزلة سمى به الأخبار الكاذبة لكونها متزلزلة غير ثابتة ﴿لنغرينك بهم﴾ أي : لنسلطنك عليهم بالقتل والجلاء، أو بما يضطرهم إلى طلب الجلاء وقوله تعالى :﴿ثم لا يجاورونك﴾ أي : يساكنونك ﴿فيها﴾ أي : المدينة عطف على لنغرينك وثم للدلالة على أن الجلاء ومفارقة رسول الله ﷺ أعظم ما يصيبهم ﴿إلا قليلاً﴾ أي : زماناً أو جواراً قليلاً، ثم يخرجون منها وقيل : نسلطك عليهم حتى تقتلهم وتخلى منهم المدينة.
وقوله تعالى: