وذلك أن الله تعالى قال له :"يا آدم، هل تعلم أن لي بيتاً في الأرض" قال :"اللهم لا" قال :"فإن لي بيتاً بمكة فائته، فقال للسماء : احفظي ولدي بالأمانة؟ فأبت، وقال للأرض : احفظي ولدي بالأمانة فأبت، وقال للجبال كذلك فأبت.
فقال لقابيل : احفظ ولدي بالأمانة، فقال نعم، تذهب وترجع فتجد ولدك كما يسرك.
فرجع فوجده قد قتل أخاه، فذلك قوله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ﴾ الآية.
وروى معمر عن الحسن أن الأمانة عُرضت على السموات والأرض والجبال، قالت : وما فيها؟ قيل لها : إن أحسنتِ جوزيتِ وإن أسأتِ عوقبتِ.
فقالت لا.
قال مجاهد : فلما خلق الله تعالى آدم عرضها عليه، قال : وما هي؟ قال : إن أحسنت أجرتك وإن أسأتَ عذّبتك.
قال : فقد تحملتها يا رب.
قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها إلى أن أُخرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر.
وروى عليّ ابن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال ﴾ قال : الأمانة الفرائض، عرضها الله عز وجل على السموات والأرض والجبال، إن أدَّوْها أثابهم، وإن ضيّعوها عذّبهم.
فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيماً لدين الله عز وجل ألا يقوموا به.
ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها.
قال النحاس : وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير.
وقيل : لما حضرت آدم ﷺ الوفاة أمر أن يعرض الأمانة على الخلق، فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه.
وقيل : هذه الأمانة هي ما أودعه الله تعالى في السموات والأرض والجبال والخلق، من الدلائل على ربوبيته أن يظهروها فأظهروها، إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها ؛ قاله بعض المتكلمين.
ومعنى "عَرَضْنَا" أظهرنا، كما تقول : عرضت الجارية على البيع.