والمعنى إنا عرضنا الأمانة وتضييعها على أهل السموات وأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن ﴿ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ﴾ أي أن يحملن وزرها، كما قال جل وعز :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ].
﴿ وَحَمَلَهَا الإنسان ﴾ قال الحسن : المراد الكافر والمنافق.
﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً ﴾ لنفسه ﴿ جَهُولاً ﴾ بربّه.
فيكون على هذا الجوابُ مجازاً، مثل :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ].
وفيه جواب آخر على أن يكون حقيقة أنه عرض على السموات والأرض والجبال الأمانة وتضييعها وهي الثواب والعقاب، أي أظهر لهن ذلك فلم يحملن وزرها، وأشفقت وقالت : لا أبتغي ثواباً ولا عقاباً، وكلٌّ يقول : هذا أمر لا نطيقه، ونحن لك سامعون ومطيعون فيما أمِرن به وسُخِّرن له، قاله الحسن وغيره.
قال العلماء : معلوم أن الجماد لا يفهم ولا يجيب، فلا بد من تقدير الحياة على القول الأخير.
وهذا العرض عرض تخيير لا إلزام.
والعرض على الإنسان إلزام.
وقال القفّال وغيره : العرض في هذه الآية ضرب مَثَل، أي أن السموات والأرض على كبر أجرامها، لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع، لما فيها من الثواب والعقاب، أي أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السموات والأرض والجبال، وقد كُلِّفه الإنسان وهو ظلوم جهول لو عَقَل.
وهذا كقوله :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ ﴾ [ الحشر : ٢١ ] ثم قال :﴿ وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ﴾.
قال القفال : فإذا تقرّر في أنه تعالى يضرب الأمثال، وورد علينا من الخبر ما لا يخرج إلا على ضرب المثل، وجب حمله عليه.
وقال قوم : إن الآية من المجاز، أي إنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال، رأينا أنها لا تطيقها، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت، فعبرّ عن هذا المعنى بقوله :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon