وهذا كما تقول : عرضت الحِمل على البعير فأباه، وأنت تريد قايست قوته بثقل الحمل، فرأيت أنها تقصر عنه.
وقيل :"عَرَضْنَا" بمعنى عارضنا الأمانة بالسموات والأرض والجبال فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة، ورجحت الأمانة بثقلها عليها.
وقيل : إن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال إنما كان من آدم عليه السلام.
وذلك أن الله تعالى لما استخلفه على ذرّيته، وسلّطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والطير والوحش، وعهِد إليه عهداً أمره فيه ونهاه وحرّم وأحلّ، فقبله ولم يزل عاملاً به.
فلما أن حضرته الوفاة سأل الله أن يعلِمه مَن يستخلف بعده، ويقلده من الأمانة ما تقلده، فأمره أن يعرض ذلك على السموات بالشرط الذي أخذ عليه من الثواب إن أطاع ومن العقاب إن عصى، فأبَيْن أن يقبلنه شَفقاً من عذاب الله.
ثم أمره أن يعرض ذلك على الأرض والجبال كلها فأبياه.
ثم أمره أن يعرض ذلك على ولده فعرضه عليه فقبله بالشرط، ولم يَهَب منه ما تهيبت السموات والأرض والجبال.
"إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً" لنفسه "جَهُولاً" بعاقبة ما تقلّد لربه.
قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : عجبت من هذا القائل من أين أتى بهذه القصة! فإن نظرنا إلى الآثار وجدناها بخلاف ما قال، وإن نظرنا إلى ظاهرها وجدناه بخلاف ما قال، وإن نظرنا إلى باطنه وجدناه بعيداً مما قال! وذلك أنه ردّد ذكر الأمانة ولم يذكر ما الأمانة، إلا أنه يومِىء في مقالته إلى أنه سلّطه على جميع ما في الأرض، وعهِد الله إليه عهداً فيه أمره ونهيه وحِلّه وحرامه، وزعم أنه أمره أن يعرض ذلك على السموات والأرض والجبال ؛ فما تصنع السموات والأرض والجبال بالحلال والحرام؟ وما التسليط على الأنعام والطير والوحش! وكيف إذا عرضه على ولده فقبله في أعناق ذرّيته من بعده.