وقيل : هذه الأمانة هي ما أودعه الله في السموات والأرض والجبال وسائر المخلوقات من الدلائل على ربوبيته أن يظهروها فأظهروها، إلاّ الإنسان فإنه كتمها وجحدها.
كذا قال بعض المتكلمين مفسراً للقرآن برأيه الزائف، فيكون على هذا معنى ﴿ عرضنا ﴾ : أظهرنا.
قال جماعة من العلماء : ومن المعلوم أن الجماد لا يفهم ولا يجيب، فلا بدّ من تقدير الحياة فيها، وهذا العرض في الآية هو عرض تخيير لا عرض إلزام.
وقال القفال وغيره : العرض في هذه الآية ضرب مثل، أي إن السماوات والأرض والجبال على كبر أجرامها لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع لما فيها من الثواب والعقاب، أي أن التكليف أمر عظيم، حقه أن تعجز عنه السماوات والأرض والجبال، وقد كلفه الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل، وهذا كقوله :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ ﴾ [ الحشر : ٢١ ] وقيل : إن ﴿ عرضنا ﴾ بمعنى عارضنا، أي عارضنا الأمانة بالسماوات والأرض والجبال، فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة ورجحت الأمانة بثقلها عليها.
وقيل : إن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال إنما كان من آدم عليه السلام، وأن الله أمره أن يعرض ذلك عليها، وهذا أيضاً تحريف لا تفسير.
ومعنى ﴿ وَحَمَلَهَا الإنسان ﴾ أي التزم بحقها، وهو في ذلك ظلوم لنفسه جهول لما يلزمه، أو جهول لقدر ما دخل فيه كما قال سعيد بن جبير، أو جهول بربه كما قال الحسن.
وقال الزجاج : معنى ﴿ حملها ﴾ : خان فيها، وجعل الآية في الكفار والفساق والعصاة، وقيل : معنى ﴿ حملها ﴾ : كلفها وألزمها، أو صار مستعدًّا لها بالفطرة، أو حملها عند عرضها عليه في عالم الذرّ عند خروج ذرية آدم من ظهره، وأخذ الميثاق عليهم.


الصفحة التالية
Icon