أي رجوعها، وعليه فلا مانع من تأويل التناوش هنا بالتئاول أيضا ويصح المعنيان أي كيف يتمكنون من تناوش الإيمان "وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ" في الدنيا لمّا كان ذلك ممكنا وقد جحدوه بطوعهم ورضاهم في الدنيا "وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ" أي يقولون رجما بالغيب بأن محمدا كاذب وأن اللّه لم ينزل كتابا عليه وأن للّه شركاء وأن الأوثان التي يعبدونها تنشفع لهم وأن لا بعث ولا حساب ولا عقاب وأن الملائكة بنات اللّه وأن محمدا ساحر كاهن وأنه لا جنة ولا نار وقولهم هذا "مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ" ٥٣ عن الصدق وهو ناشىء من جهلهم باللّه ومن مجرد ظنهم الفاسد ووهمهم الخائر، والمراد بهذه الآية تعظيم ما كانوا عليه من الكفر والتكذيب لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم على ما هو عليه من الصدق والأمانة ولأن كفرهم بشيء لا يعلمونه كالبعث بعد الموت وما بعده من أمور الآخرة وقد غرتهم الدنيا بشهواتها "وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ" الآن من الرجوع إليها ليؤمنوا ويصدقوا بما جاءهم به نبيهم ويوحدوا اللّه ويتوبوا مما كانوا عليه ويعملوا صالحا ليتمتعوا بالجنة ذات النعيم الدائم كغيرهم من المؤمنين، وقد أنهكهم الندم على ما فاتهم في الدنيا من الإيمان الذي سبب حرمانهم من النعيم وأوصلهم إلى عذاب الجحيم، واللّه تعالى يعلم أنه لو أجاب طلبهم لما فعلوا، قال تعالى (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) الآية ٢٨ من الأنعام المارة، لهذا لم يجب طلبهم وفعل بهم فعلا فظيعا "كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ"
نظرائهم من الكفار إذ لم يقبل طلب أحد منهم ولا إيمانه ولا توبته ولا تأخير العذاب عنه "مِنْ قَبْلُ" في الدنيا حال يأسهم منها ولم يؤخر اللّه عذابا نزل على أحد ولم يقبل توبته حال اليأس أو البأس إلا قوم يونس في الدنيا راجع الآية ٩٨ من سورته المارة تقف على الأسباب الداعية لذلك.


الصفحة التالية
Icon