من مجازات القرآن واستعاراته فى السورة الكريمة
قال الشريف الرضى :
ومن السورة التي تذكر فيها «سبأ»
[سورة سبإ (٣٤): آية ٢٣]
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)
قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا، قالَ رَبُّكُمْ [٢٣] الآية «١» وهذه استعارة، على قراءة من قرأ: فزّع بالزاي والعين، وفرّع بالراء والعين.
فالمراد بقراءة من قرأ: فزع بالعين غير معجمة، أي أزيل الفزع عن قلوبهم. كما تقول: قذّيت عينه. إذا أزلت القذى عنها. وهو كقولهم: رغّب عنه. إذا رفعت الرغبة عنه. خلافا لقولهم: رغب فيه، إذا صرفت الرغبة إليه. فالرغبة فى أحد الأمرين منقطعة، وفى الآخر منصرفة. والمراد بقراءة من قرأ: فرّغ بالغين معجمة، قريب من المراد بقراءة الأولى. كأنه سبحانه قال: حتى إذا أخرج ما كان فى قلوبهم من الخوف والوجل ففرغت منها.
وإنما قال: عن قلوبهم. لأنه سبحانه أقام ذلك مقام التفريج عن قلوبهم. فكما حسن أن يقال: فرّج عن قلبه، فكذلك حسن أن يقال: فرّغ عن قلبه.
وهذا موضع سرّ لطيف، ومعنى عجيب.
[سورة سبإ (٣٤): آية ٣١]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَ لا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١)
وقوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَ لا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [٣١] وهذه استعارة. والمراد بها ما تقدم القرآن من الكتب، فكأنها كانت مشيرة إليه، ومصرفة بين يديه. وقد مضى الكلام على نظائر ذلك فيما تقدم.

_
(١) تكملة الآية: «قالُوا الْحَقَّ. وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ».


الصفحة التالية
Icon