نعم، سيلقى المحسن الإحسان ويلقى المسئ الإساءة. وسيعلم أهل الكتاب الذين كابروا محمدا وكذبوا أتباعه أنهم كذبوا على الله وخاصموا رسالة كان ينبغى أن يتعاونوا معها ويستريحوا إليها.. وتكذيب الآخرة جريمة شاعت بين الأولين والآخرين. والناس فى عالمنا المعاصر لا يلقون بالا للحديث عن الآخرة، ولا يبدون اهتماما إلا للحياة المحسوسة، وذاك ناشئ من جهلهم بالله وعبادتهم لأنفسهم. ولذلك كررت السورة شبهة منكرى البعث، واستغرابهم لحديث الرسول عنه " وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد * أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ". الدلالة على رجل يؤمن بالبعث ويحذر منه مدعاة للعجب! هذا منطق الكفر كما أبانته أوائل السورة، ثم تكرر مرة ثالثة فى أواخرها " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ". وندع مؤقتا الاسترسال مع هذا الحوار لنذكر قصتين تتصلان به: الأولى قصة النبى داود الذى اشتغل بصناعات الحديد! إن التدين الجاهل يحسب التخفف فى الدنيا أمارة على التقدم فى الآخرة. وهذا فهم منكر؟ فإن الدخول إلى الإيمان يكون من باب العلم الحاذق، لا من باب القصور البليد. وهذا ما شرحته الآيات فى قصة داود، وما نلفت إليه أنظار الأمم الغفيرة التى انتمت إلى الإسلام وعاشت تتسول الصناعات من خصومه، فكانت عارا على دينها... " ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير ". وداود جمع فى سيرته بين عملين متباعدين: التغنى بآلاء الله وأمجاده بصوت رخيم كانت الطيور ترجع صداه وتشارك فى مزاميره، والمهارة فى الصناعات العسكرية والمدنية التى تحول


الصفحة التالية
Icon