قال تعالى "وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" من مؤمني أهل الكتاب وأصحاب حضرة الرسول ويدخل في هذه الآية علماء هذه الأمة وخواصها الموجودون حين نزولها ومن بعدهم إلى يوم القيامة أي يعتقدون بأن "الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ" الذي لا مرية فيه كما يروا كتبهم حقا لأنها منزلة من لدنا "وَ" يرون أيضا أنه "يَهْدِي" يدل ويرشد "إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ" الغالب لكل شيء "الْحَمِيدِ ٦" لعمل عباده المحمود منهم كما أن كتبهم أيضا تدل على طريق اللّه وتحت الناس على سلوكه لأن الكل منه ولأن مبلّغيها أنبياؤه ورسله، فجميع الكتب السماوية لا تختلف قيد شعرة في أصول الدين الحق التي هي التوحيد والنبوة والمعاد، لأن من أنكر أحدها فليس من أهل الكتاب، وأما الفروع ففيها اختلاف لأنها معرضة للتبديل والتغيير بحسب المصلحة والزمن والمكان لأن النسخ الوارد لا يتطرق إلا للفروع ويحول حول تلك الأصول البتة، وكونه في العبادات من صفاتها، وفي المأكولات من أصنافها وأجناسها، وفي ضروب الملبوسات وأنواعها
والحلي والزينة وتعلقاتها، وأنواع المعاملات وتفرعاتها فقط، وإنما أدخلنا أصحاب الرسول وخواص هذه الأمة في هذه الآية مع أنها في أهل الكتاب نزلت لأن لفظ أوتوا العلم يشملهم وهم متصفون بما احتوت عليه، وفّق اللّه هذه الأمة للتمسك بها وإرشاد الزائغين عنها وأدام النفع بعلمائها وصلحائها إلى يوم القيامة وهم ملح الأرض لا خلا الكون منهم.
انتهت الآية المدنية وهي كغيرها معترضة بالنسبة لما قبلها وبعدها وهذا من كمال بلاغة كتاب اللّه وفصاحته "وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا" بعضهم لبعض في تقرير إنكار البعث فيما بينهم عطف على الآية الثالثة فما بعدها "هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ" يعنون محمدا صلّى اللّه عليه وسلم عبروا عنه بلفظ النكرة تجاهلا وهو عندهم العلم المفرد قال الأبوصيري :


الصفحة التالية
Icon