قال تعالى "وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا" الملك والكتاب مع النبوة والرسالة ولم تجمع لنبي قبله، وزدناه على ذلك حسن الصوت حين يتلو الزبور الذي أنزلناه عليه، ولقد خصصناه بفضل آخر على إخوانه المرسلين بأن "قلنا يا جِبالُ أَوِّبِي" سبّحي اللّه واذكريه "مَعَهُ وَالطَّيْرَ" سخرناها له أيضا وأمرناها بأن تسبح معه فكان عليه السلام إذا سبح ربه سبحت معه الجبال والطيور والخلائق بدوي يبهر العقول والأسماع فيالها من نعمة عظيمة "وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ١٠" خاصة له أيضا ليعمل منه لبوسا للحرب ولم يلنه لأحد قبله، ومع هذه النعم العظام كان عليه السلام يتنكر ويمشي في قومه ويسألهم عن نفسه ليعرف عيوبه ولا عيب فيه وإنما يفعل ذلك تعليما لأمته، فقيض اللّه له ملكا في صورة بشر فقال له عند ما سأله نعم العبد لولا خصلة واحدة قال وما هي قال إنه يأكل من بيت المال هو وعياله، فتنبه وسأل ربه أن يغنيه عنه، فعلمه صنعة الدروع التي تقي لا بسيها تأثير
ضرب السيف والرمح بمشيئة اللّه تعالى، وإلا فلا واقي من قدر اللّه، وهو أول من نسجها واتخذها آلة للحرب، وكانت قبل صفائح فصار يعمل منها وببيعها ويأكل هو وأهله من ثمنها ويتصدق بالفضلة وأوحى إليه تعالى
"أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ" ألهمه ربه كيفية عملها، وقيل إنّ (أَنِ) هنا مفسرة لألنا له الحديد ليعمل دروعا واسعة، من السبوغ بمعنى التمام والكمال فغلب على الدروع وقيل في المعنى :
لا سابغات ولا جاءوا بأسلتة تقي المنون لدى استيفاء آجال
وتجمع على سوابغ كما في قوله :
عليها أسود ضاربات لبوسهم سوابغ بيض لا تمزقها النّبل
والسرد خرز ما خشن وغلظ قال الشماخ :
فظلت سراعا خيلنا في بيوتكم كما تابعت سرد العنان الخوارز
واستعير لنظم الحديد والنظم اتباع الشيء بالشيء من جنسه فيقال للدرع مسرودة لأنه توبع فيها الحلق بالحلق قال :


الصفحة التالية
Icon