أما من فسرها على نزول الوحي واستشهد بما رواه البخاري ومسلم فقد قال إذا قضى اللّه الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله كأنه صلصلة على صفوان، وبما أخرج أبو داود عن ابن مسعود إذا تكلم اللّه تعالى بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كجرس السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاء فزع عن قلوبهم يقولون يا جبريل ماذا قال ربك فيقول الحق فيقولون الحق.
فهذه الأحاديث وشبهها لم تثبت أن الرسول قالها في معرض هذه الآية والقائلون بهذا لم يبنوا وجه اتصال هذه الآية بما قبلها ولم يبحثوا عن الغاية بشيء، ولم يتعرفوا للمغيا ليركن إلى بعض ما قالوه، ولذلك فإن ما جرينا عليه هو الأولى والأوفق وإن ما مشى عليه أكثر المفسرين هو بالنظر إلى ظاهر اللفظ ومطابقته لهذه الأحاديث فنزلوا تفسير الآية عليه كما ساقوا مثل هذه الأحاديث في مسألة استراق السمع، راجع بحثه في الآية ١٨ من سورة الحجر المارة وعلى هذا مشى السيد محمود الألوسي في تفسيره روح المعاني إذ نظر إلى مطابقة المقام الموافق
لظاهر الكلام وظهر له ما قاله غيره في هذا المقام بأنه نظر إلى ظاهر اللفظ فعدل عن أقوالهم، والحق يقال إنه بمراحل كثيرة في الحسن والمطابقة للواقع وموافقة التنزيل ومناسبة الآي.
عما قاله غيره، ولهذا اخترنا قوله أيضا بما زدنا عليه من التصرف ومن أراد زيادة التفصيل في هذا البحث فليراجع تفسير هذه الآية في ص ١٣٩ فما بعدها من ج ٧ من تفسيره المذكور وقد مشى عليه صاحب روح البيان السيد إسماعيل حقي والإمام النسفي وجار اللّه الزمخشري من قبله واللّه أعلم وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


الصفحة التالية
Icon