و لم نمنعكم عن الإيمان بالرسل "بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ٣٢" باختياركم ورغبتكم وقد رضيتم بالإشراك وآثرتم الكفر على الإيمان بطوعكم "وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ" اعلم أن كلمة مكر هذه مضافة لمضاف محذوف وهو الضمير الذي يعود إلى الرؤساء وبحذفه أضيف لما بعده إضافة المصدر لمفعوله وعليه يكون المعنى صدنا مكركم بنا أيها الرؤساء واحتيالكم علينا وتزيين آلهتكم المزعومة لنا وتظاهركم مظهر الصادق حتى ظننا بكم أنكم على خير "إِذْ تَأْمُرُونَنا" ليل نهار صباح مساء "أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ" الواحد ونكذب الرسول الذي يأمرنا بعبادته ورفض ما سواه وأنتم تأمروننا بتكذيبهم أيضا "وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً" أمثالا على ما كان عليه آباؤنا وآباؤكم الأقدمون، فلما سمعوا هذا منهم وقد صارحوهم به على رءوس الأشهاد سقط في أيديهم جميعا "وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ" بينهما إذ ظهر، خطأوهما، وقيل إن فعل أمر من الأضداد فيأتي بمعنى أضمر كما مر وبمعنى أظهر ولهذا قال بعضهم إنهم أظهروا الندامة لبعضهم وعدلوا بهذا الفعل عن حقيقته إلى المجاز بحسب الظاهر وبعضهم أجراه على ظاهره كما جرينا عليه دون حاجة للعدول وهو أولى إذ لا وجود لصارف يصرفه عن حقيقته وإنما أسروا الندامة أسفا على ما فات لعدم الفائدة من إظهارها وقد بهتوا "لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ" أحاق بهم لقوله تعالى "وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا" التابعين والمتبوعين وزجرا في جهنم جزاء كفرهم فانظروا "هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ ٣٣" في الدنيا من كفر وعصيان وسخرية، قال تعالى "وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها" من الرؤساء والقادة إلى الرسل "إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ٣٤" هذه الآية كتسلية لحضرة الرسول


الصفحة التالية
Icon