وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة ﴾
قيل : المراد أهل مكة.
قال مقاتل : قال أبو سفيان لكفار مكة : والّلات والعزّى لا تأتينا الساعة أبداً ولا نُبعث.
فقال الله :﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ وروى هارون عن طَلْق المعلم قال : سمعت أشياخنا يقرؤون "قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَيَأْتِيَنَّكُمْ" بياء، حملوه على المعنى، كأنه قال : ليأتينكم البعث أو أمره.
كما قال :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الملائكة أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [ النحل : ٣٣ ].
فهؤلاء الكفار مقرّون بالابتداء منكرون الإعادة، وهو نقض لما اعترفوا بالقدرة على البعث، وقالوا : وإن قدر لا يفعل.
فهذا تحكّم بعد أن أخبر على ألسنة الرسل أنه يبعث الخلق، وإذا ورد الخبر بشيء وهو ممكن في الفعل مقدور، فتكذيب مَن وجب صدقه محال.
﴿ عَالِمِ الغيب ﴾ بالرفع قراءة نافع وابن كثِير على الابتداء، وخبره "لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ" وقرأ عاصم وأبو عمرو "عالِم" بالخفض، أي الحمد لِلَّه عالم، فعلى هذه القراءة لا يحسن الوقف على قوله :﴿ لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾.
وقرأ حمزة والكسائي :"علاّم الغيب" على المبالغة والنعت.
﴿ لاَ يَعْزُبَ عَنْهُ ﴾ أي لا يغيب عنه، "ويَعْزِب" أيضاً.
قال الفراء : والكسر أحبّ إليّ.
النحاس : وهي قراءة يحيى بن وثاب، وهي لغة معروفة.
يقال : عزَب يعزُب ويعزِب إذا بَعُد وغاب.
﴿ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾ أي قدر نملة صغيرة.
﴿ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ ﴾ وفي قراءة الأعمش "وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ" بالفتح فيهما عطفاً على "ذَرَّةٍ".
وقراءة العامّة بالرفع عطفاً على "مِثْقَالُ".
﴿ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ فهو العالم بما خلق ولا يخفى عليه شيء.
﴿ لِّيَجْزِيَ ﴾ منصوب بلام كي، والتقدير : لتأتينكم لِيجزي.