وتعقب بأنه صفة مشبهة وهي كما ذكره سيبويه في الكتاب لا تتعرف بالإضافة إلى معرفة والجمهور على أنها تتعرف بها ولذا ذهب جمع من الأجلة إلى أنه صفة ووصف سبحانه بإحاطة العلم إمداداً للتأكيد وتشديداً له إثر تشديد فإن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وشدة ثباته واستقامته لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر وكلما كان المستشهد به أعلى كعباً وأبين فضلاً وأرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت وأرسخ، وخص هذا الوصف بالذكر من بين الأوصاف مع أن كل وصف يقتضي العظمة يتأتى به ذلك لما أن له تعلقاً خاصاً بالمقسم عليه فإنه أشهر أفراد الغيب في الخفاء ففيه مع رعاية التأكيد حسن الأقسام على منوال وثناياك أنها إغريض كأنه قيل : وربي العالم بوقت قيامها لتأتينكم، وفيه إدماج أن لا كلام في ثبوتها.
وقال صاحب الفرائد : جىء بالوصف المذكور لأن إنكارهم البعث باعتبار أن الأجزاء المتفرقة المنتشرة يمتنع اجتماعها كما كانت يدل عليه قوله تعالى :﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ ﴾ [ ق : ٤ ] الآية، فالوصف بهذه الأوصاف رد لزعمهم الاستحالة وهو أن من كان علمه بهذه المثابة كيف يمتنع منه ذلك انتهى، واستحسنه الطيبي، وقال في "البحر" : أتبع القسم بقوله تعالى :﴿ عالم الغيب ﴾ وما بعده ليعلم أن إتيانها من الغيب الذي تفرد به عز وجل، وما ذكر أولاً أبعد مغزى، وفائدة الأمر بهذه المرتبة من اليمين أن لا يبقى للمعاندين عذر ما أصلاً فإنهم كانوا يعرفون أمانته ﷺ ونزاهته عن وصمة الكذب فضلاً عن اليمين الفاجرة وإنما لم يصدقوه عليه الصلاة والسلام مكابرة، وغفل صاحب الفرائد عن هذه الفائدة فقال : اقتضى المقام اليمين لأن من أنكر ما قيل له فالذي وجب بعد ذلك إذا أريد إعادة القول له أن يكون مقترناً باليمين وإلا كان خطأ بالنظر إلى علم المعاني وإن كان صحيحاً بالنظر إلى العربية والنحو.