وخرج عليه قوم ﴿ يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم ﴾ [ النجم : ٢ ٣ ] و﴿ خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ﴾ [ هود : ١٠٧ ] وقد حكى هذا القول مكى في نظير الآية ثم قال : وهو قول حسن لولا أن جميع البصريين لا يعرفون إلا بمعنى الواو كأنه لم يقف على قول الأخفش وهو من رؤساء نحاة البصرة أو لم يعتبره فلذا قال جميع البصريين، وقد كثر الكلام في هذا الوجه وارتضاه السراج البلقيني وأنا لا أراه مرضياً وأن أوقد له ألف سراج، وقيل العطف على ما سمعت وضمير ﴿ عَنْهُ ﴾ للغيب فلا إشكال إذ المعنى حينئذ لا يبعد عن غيبه شيء إلا ما كان في اللوح لبروزه من الغيب إلى الشهادة واطلاع الملأ إلا على عليه.
وتعقب بأن المعنى لا يساعده لأن الأمر الغيبي إذا برز إلى الشهادة لم يعزب عنه بل بقي في الغيب على ما كان عليه مع بروزه، ومعناه أن كونه ففي اللوح المحفوظ كناية عن كونه من جملة معلوماته تعالى وهي إما مغيبة وإما ظاهرة وكل مغيب سيظهر وإلا كان معدوماً لا مغيباً وظهوره وقت ظهوره لا يرفع كونه مغيباً فلا يكون استثناء متصلاً، ألا ترى أنك لو قلت علم الساعة مغيب عن الناس إلا علمهم بها حين تقوم ويشاهدونها لم يكن هذا الاستثناء متصلاً كذا قيل فتأمل ولا تغفل.
وأنت تعلم أن هذا الوجه على فرض عدم ورود ما ذكر عليه ضعيف لأن الظاهر الذي يقتضيه قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلاَ فِى السماء ﴾ [ يونس : ١ ٦ ] الآية رجوع الضمير إلى الله عز وجل.
والذي ذهب إليه أبو حيان أن الكتاب ليس هو اللوح وليس الكلام إلا كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ﴿ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ ﴾ بكسر الراءين.


الصفحة التالية
Icon