وقد مضى هذا في سورة "مريم" عند قوله تعالى :﴿ أَطَّلَعَ الغيب ﴾ [ مريم : ٧٨ ] مستوفًى.
﴿ أَم بِهِ جِنَّةٌ ﴾ هذا مردود على ما تقدّم من قول المشركين، والمعنى : قال المشركون "أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً".
والافتراء الاختلاق.
"أَمْ بِهِ جِنَّةٌ" أي جنون، فهو يتكلم بما لا يدري.
ثم ردّ عليهم فقال :﴿ بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة فِي العذاب والضلال البعيد ﴾ أي ليس الأمر كما قالوا، بل هو أصدق الصادقين، ومن ينكر البعث فهو غداً في العذاب، واليوم في الضلال عن الصواب ؛ إذ صاروا إلى تعجيز الإله ونسبة الافتراء إلى من أيده الله بالمعجزات.
﴿ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
أعلم الله تعالى أن الذي قدر على خلق السموات والأرض وما فيهن قادر على البعث وعلى تعجيل العقوبة لهم، فاستدلّ بقدرته عليهم، وأن السموات والأرض ملكه، وأنهما محيطتان بهم من كل جانب، فكيف يأمنون الخسف والكسف كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة.
وقرأ حمزة والكسائيّ "إِنْ يَشَأْ يَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يُسْقِطْ" بالياء في الثلاث ؛ أي إن يشأ الله أمر الأرض فتنخسف بهم، أو السماء فتسقط عليهم كِسَفاً.
الباقون بالنون على التعظيم.
وقرأ السُّلَمِيّ وحفص "كِسَفاً" بفتح السين.
الباقون بالإسكان.
وقد تقدّم بيانه في "سبحان" وغيرها.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ﴾ أي في هذا الذي ذكرناه من قدرتنا "لآية" أي دلالة ظاهرة.
﴿ لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ أي تائب رجّاع إلى الله بقلبه.
وخص المنيب بالذكر لأنه المنتفع بالفكرة في حجج الله وآياته. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٤ صـ ﴾