الإقفار وقلة النبت والعطش ﴿في مسكنهم﴾ أي التي هي في غاية الكثرة، ووحد حمزة والكسائي وحفص عن عاصم إشارة إلى أنها لشدة اتصال المنافع والمرافق كالمسكن الواحد، وكسر الكسائي الكاف إشارة إلى أنها في غاية الملاءمة لهم واللين، وفتحه الآخران إشارة إلى ما فيها من الروح والراحة، وكانت بأرض مأرب من بلاد اليمن، قال حمزة الكرماني : قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : على ثلاث فراسخ من صنعاء، وكانت أخصب البلاد وأطيبها وأكثرها ثماراً حتى كانت المرأة تضع على رأسها المكتل وتطوف في ما بين الأشجار فيمتلىء المكتل من غير أن تمس شيئاً بيدها، وكانت مياههم تخرج من جبل فبنوا فيه سداً وجعلوا له ثلاثة أبواب فكانوا يسرحون الماء إلى كرومهم من الباب الأعلى والأوسط والأسفل، قال الرازي : كانت المرأة تخرج ومعها مغزلها وعلى رأسها مكتلها فتمتهن مغزلتها، فلا تأتي بيتها حتى يمتلىء مكتلها من الثمار، وقال أبو حيان في النهر : ولما ملكت بلقيس اقتتل قومها على ماء واديهم فتركت ملكها، وسكنت قصرها وراودوها على أن ترجع فأبت فقالوا : لترجعن أو لنقتلنك، فقالت لهم : لا عقول لكم، ولا تطيعوني، فقالوا نطيعك، فرجعت إلى واديهم، وكانوا إذا مطروا أتاهم السيل من مسيرة ثلاثة أيام، فأمرت به فسد ما بين الجبلين بمسناة بالصخر والقار، وحبست الماء من وراء السد، وجعلت له أبواباً بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة فيها اثنا عشر مخرجاً على عدة أنهارهم، وكان الماء يخرج لهم بالسوية، وقال المسعودي في مقدمات مروج الذهب قبل السيرة النبوية بيسير في الكلام على الكهان، كانت من أخصب أرض اليمن وأثراها، وأعذابها وأغداها، وأكثرها جناناً، وكانت مسيرة أكثر من شهر للراكب المجد على هذه الحال في العرض مثل ذلك، يسير الراكب من أولها إلى أن ينتهي إلى آخرها، لا تواجهه الشمس ولا يفارقها الظل، لاستتار الأرض بالأشحار واستيلائها عليها


الصفحة التالية
Icon