وإحاطتها بها، فكان أهلها في أطيب عيش وأرفعه وأهنأ حال وأرغده، في نهاية الخصب وطيب الهواء وصفاء الفضاء وتدفق الماء، وقوة الشوكة واجتماع الكلمة، ثم ذكر خبراً طويلاً في أخبارهم وخراب ما كان من آثارهم وتفرقهم في البلاد وشتاتهم بين العباد ﴿آية﴾ أي علامة ظاهرة على قدرتنا على ما نريد، ثم فسر الآية بقوله :﴿جنتان﴾ مجاورتان للطريق ﴿عن يمين وشمال﴾ أي بساتين متصلة وحدائق مشتبكة، ورياض محتبكة، حتى كان الكل من كل جانب جنة واحدة لشدة اتصال بعضه ببعض عن يمين كل سالك وشماله في أي مكان سلك من بلادهم ليس فيها موضع معطل، وقال البغوي : عن يمين واديهم وشماله، قد أحاط الجنتان بذلك الوادي.
وأشار إلى كرم تلك الجنان وسعة ما بها من الخير بقوله :﴿كلوا﴾ أي لا تحتاج بلادهم إلى غير أن يقال لهم : كلوا ﴿من رزق ربكم﴾ أي المحسن إليكم الذي أخرج لكم منها كل ما تشتهون ﴿واشكروا له﴾ أي خصوه بالشكر بالعمل بما أنعم به في ما يرضيه ليديم لكم النعمة، ثم استأنف تعظيم ذلك بقوله :﴿بلدة طيبة﴾ أي كريمة التربة حسنة الهواء سليمة من الهوام والمضمار لا يحتاج ساكنها إلى ما يتبعه فيعوقه عن الشكر، قال ابن زيد : لا يوجد فيها برغوث ولا بعوض ولا عقرب ولا حية، ولا تقمل ثيابهم، ولا تعيا دوابهم.
وأشار إلى أنه لا يقدر أحد على أن يقدره حق قدره بقوله :﴿ورب غفور﴾ أي لذنب من شكره وتقصيره بمحو عين ما قصر فيه وأثره فلا يعاقب عليه ولا يعاتب، ولولا ذلك ما أنعم عليكم بما أنتم فيه ولأهلككم بذنوبكم، وأخبرني بعض أهل اليمن أنها اليوم مفازة قرب صنعاء اليمن - قال : في بعضها عنب يعمل منه زبيب كبار جداً في مقدار در - تلي بلاد الشام، وهو في غاية الصفاء كأنه قطع المصطكا وليس له نوى أصلاً.