لما قال عقيب قوله تعالى :﴿أَنِ اعمل سابغات﴾ ﴿اعملوا صالحاً﴾ [ سبأ : ١١ ]، قال عقيب ما يعمله الجن :﴿اعملوا ءَالَ دَاوُودَ شُكْراً﴾ إشارة إلى ما ذكرنا أن هذه الأشياء حالية لا ينبغي أن يجعل الإنسان نفسه مستغرقة فيها وإنما الواجب الذي ينبغي أن يكثر منه هو العمل الصالح الذي يكون شكراً، وفيه إشارة إلى عدم الالتفات إلى هذه الأشياء، وقلة الاشتغال بها كما في قوله :﴿وَقَدِّرْ فِى السرد﴾ [ سبأ : ١١ ] أي اجعله بقدر الحاجة.
المسألة الرابعة :
انتصاب شكراً يحتمل ثلاثة أوجه أحدها : أن يكون مفعولاً له كقول القائل جئتك طمعاً وعبدت الله رجاء غفرانه وثانيها : أن يكون مصدراً كقول القائل شكرت الله شكراً ويكون المصدر من غير لفظ الفعل كقول القائل جلست قعوداً، وذلك لأن العمل شكر فقوله :﴿اعملوا﴾ يقوم مقام قوله :﴿اشكروا﴾ وثالثها : أن يكون مفعولاً به كقولك اضرب زيداً كما قال تعالى :﴿واعملوا صالحا﴾ [ سبأ : ١١ ] لأن الشكر صالح.
المسألة الخامسة :
قوله :﴿وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِيَ الشكور﴾ إشارة إلى أن الله خفف الأمر على عباده، وذلك لأنه لما قال :﴿اعملوا ءَالَ دَاوُودَ شُكْراً﴾ فهم منه أن الشكر واجب لكن شكر نعمه كما ينبغي لا يمكن، لأن الشكر بالتوفيق وهو نعمة تحتاج إلى شكر آخر وهو بتوفيق آخر، فدائماً تكون نعمة الله بعد الشكر خالية عن الشكر، فقال تعالى : إن كنتم لا تقدرون على الشكر التام فليس عليكم في ذلك حرج، فإن عبادي قليل منهم الشكور ويقوي قولنا أنه تعالى أدخل الكل في قوله :﴿عِبَادِي﴾ مع الإضافة إلى نفسه، وعبادي بلفظ الإضافة إلى نفس المتكلم لم ترد في القرآن إلا في حق الناجين، كقوله تعالى :