وقال ابن عاشور :
﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ﴾
جرَّ خبرُ سليمان عليه السلام إلى ذكر سبأ لما بين مُلك سليمان وبين مملكة سبأ من الاتصال بسبب قصة "بلقيس"، ولأن في حال أهل سبأ مضادة لأحوال داود وسليمان، إذ كان هذان مثلاً في إسباغ النعمة على الشاكرين، وكان أولئك مثلاً لسلب النعمة عن الكافرين، وفيهم موعظة للمشركين إذ كانوا في بحبوحة من النعمة فلما جاءهم رسول من المُنعِم عليهم يذكرهم بربهم ويوقظهم بأنهم خاطئون إذ عبدوا غيره، كذّبوه وأعرضوا عن النظر في دلالة تلك النعمة على المنعِم المتفرد بالإلهية.
وقال ابن عطية عند الكلام على قوله تعالى :﴿ ولقد آتينا داود منا فضلاً ﴾ [ سبأ : ١٠ ] "لمّا فرغ التمثيل لمحمد ﷺ رجع التمثيل لهم ( أي للمشركين أي لحالهم ) بسبإ وما كان من هلاكهم بالكفر والعتوّ" ا ه.
فهذه القصة تمثيل أمة بأمة، وبلاد بأخرى، وذلك من قياس وعبرِه.
وهي فائدة تدوين التاريخ وتقلبات الأمم كما قال تعالى :﴿ ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم اللَّه فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ﴾ [ النحل : ١١٢، ١١٣ ] فسوَق هذه القصة تعريض بأشباه سبأ.
والمعنى : لقد كان لسبأ في حال مساكنهم ونظام بلادهم آية.
والآية هنا : الأمارة والدلالة بتبدل الأحوال وتقلب الأزمان، فهي آية على تصرف الله ونعمته عليهم فلم يهتدوا بتلك الآية فأشركوا به، وقد كان في إنعامه عليهم ما هو دليل على وجوده ثم على وحدانيته.
والتأكيد بلام القسم وحرف التحقيق لتنزيل المخاطبين بالتعريض بهذه القصة منزلةَ من يتردد في ذلك لعدم اتعاظهم بحال قوم من أهل بلادهم، وتجريد ﴿ كان ﴾ من تأنيث الفعل لأن اسمها غير حقيقي للتأنيث ولوقوع الفصل بالمجرور.
واللام في ﴿ لسبأ ﴾ متعلق بـ ﴿ آية ﴾.