فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ شَاءَ عَمَلَ الصُّوَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ؟ قُلْنَا : لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي شَرْعِهِ، بَلْ وَرَدَ عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَأْذُونًا فِيهِ، وَاَلَّذِي أُوجِبَ النَّهْيَ عَنْهُ فِي شَرْعِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، فَكَانُوا يُصَوِّرُونَ وَيَعْبُدُونَ، فَقَطَعَ اللَّهُ الذَّرِيعَةَ وَحَمَى الْبَابَ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ حِينَ ذَمَّ الصُّوَرَ وَعَمَلَهَا مِنْ الصَّحِيحِ قَوْلَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَذَّبَهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ ﴾.
وَفِي رِوَايَةٍ :﴿ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ ؛ فَعَلَّلَ بِغَيْرِ مَا زَعَمْتُمْ.
قُلْنَا : نُهِيَ عَنْ الصُّورَةِ، وَذَكَرَ عِلَّةَ التَّشْبِيهِ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَفِيهَا زِيَادَةُ عِلَّةِ عِبَادَتِهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ نَفْسَ عَمَلِهَا مَعْصِيَةٌ، فَمَا ظَنُّك بِعِبَادَتِهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ شَأْنُ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا أُنَاسًا، ثُمَّ
صُوِّرُوا بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَعُبِدُوا.
وَقَدْ شَاهَدْت بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة إذَا مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ صَوَّرُوهُ مِنْ خَشَبٍ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَأَجْلَسُوهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ بَيْتِهِ وَكَسَوْهُ بِزَّتَهُ إنْ كَانَ رَجُلًا وَحِلْيَتَهَا إنْ كَانَتْ امْرَأَةً، وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِ الْبَابَ.


الصفحة التالية
Icon