ولما قرر سبحانه أن ذلك بإرادته فهو في الحقيقة بأمره، زاد ذلك تقريراً بقوله عاطفاً على ما تقديره : فمن عمل بأمرنا أثبناه جنات النعيم :﴿ومن يزغ﴾ أي يمل، من زاغ يزيغ ويزوغ ﴿منهم﴾ مجاوزاً وعادلاً ﴿عن أمرنا﴾ أي عن الذي أمرناه به من طاعة سليمان أي أمره الذي هو من أمرنا ﴿نذقه﴾ أي بما لنا من العظمة التي أمكنا سليمان عليه السلام بها مما أمكناه فيه من ذلك ﴿من عذاب السعير﴾ أي في الدنيا مجازاً وفي الآخؤة حقيقة، وهذا كما أمكن الله نبينا ـ ﷺ ـ من ذلك العفريت فخنقه وهو بربطه حتى يتلعب به صبيان المدينة، ثم تركه تأدباً مع أخيه سليمان عليهما الصلاة والسلام فيما سأل الله تعالى فيه، وأما الأعمال التي تدور عليها إقامة الدين فأغناه الله فيها عن الجن بالملائكة الكرام، وسلط جمعاً من صحابته ـ رضى الله عنه ـ م على جماعة من مردة الجان منهم أبو هريرة ـ رضى الله عنه ـ لما وكله النبي ـ ﷺ ـ بحفظ زكاة رمضان ومنهم أبي بن كعب ـ رضى الله عنه ـ قبض على شخص منهم كان يسرق من تمره وقال : لقد علمت الجن ما فيهم من هو أشد مني ومنهم معاذ بن جبل ـ رضى الله عنه ـ لما جعله النبي ـ ﷺ ـ على صدقة المسلمين فأتاه شيطان منهم يسرق وتصور له بصور منها صورة فيل فضبطه به فالتفّت يداه عليه وقال له : يا عدو الله، فشكا إليه الفقر وأخبره أنه من جن نصيبين وأنهم كانت لهم المدينة، فلما بعث النبي ـ ﷺ ـ أخرجهم منها وسأله أن يخلي عنه على أن لا يعود ومنهم بريدة ـ رضى الله عنه ـ، ومنهم أبو أيوب الأنصاري ـ رضى الله عنه ـ، ومنهم زيد بن ثابت ـ رضى الله عنه ـ، ومنهم عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وعنهم أجمعين صارع الشيطان فصرعه عمر، ومنهم عمار بن ياسر ـ رضى الله عنه ـ قاتل الشيطان فصرعه عمار، وأدمى أنف الشيطان بحجر، ولذلك وغيره كان يقول أبو هريرة : عمار الذي


الصفحة التالية
Icon