وروي نحو هذا عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس.
﴿ كلوا من رزق الله ﴾ : قول الله لهم على ألسنة الأنبياء المبعوثين إليهم، وروي ذلك مع الأيمان بالله، أو قول لسان الحال لهم، كما رأوا نعماً كثيرة وأرزاقاً مبسوطة، وفيه إشارة إلى تكميل النعمة عليهم، حيث لم يمنعهم من أكل ثمارها خوف ولا مرض.
﴿ واشكروا الله ﴾ على ما أنعم به عليكم، ﴿ بلدة طيبة ﴾ : أي كريمة التربة، حسنة الهواء، رغدة النعم، سليمة من الهوامّ والمضار، ﴿ ورب غفور ﴾، لا عقاب على التمتع بنعمه في الدنيا، ولا عذاب في الآخرة، فهذه لذة كاملة خالية عن المفاسد العاجلة والمآلية.
وقرأ رويس : بنصب الأربعة.
قال أحمد بن يحيى : اسكنوا بلدة طيبة واعبدوا رباً غفوراً.
وقال الزمخشري : منصوب على المدح.
ولما ذكر تعالى ما كان من جانبه من الإحسان إليهم، ذكر ما كان من جانبهم في مقابلته فقال :﴿ فأعرضوا ﴾ : أي عما جاء به إليهم أنبياؤهم، وكانوا ثلاثة عشر نبياً، دعوهم إلى الله تعالى، وذكروهم نعمه، فكذبوهم وقالوا : ما نعرف لله نعمة، فبين كيفية الانتقام منهم.
كما قال :﴿ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ﴾ ﴿ إنا من المجرمين منتقمون ﴾ فسلط الله عليهم الجرذ فأراً أعمى توالد فيه، ويسمى الخلد، وخرقه شيئاً بعد شيء، وأرسل سيلاً في ذلك الوادي، فحمل ذلك السد، فروي أنه كان من العظم، وكثر به الماء بحيث ملأ ما بين الجبلين، وحمل الجنات وكثيراً من الناس ممن لم يمكنه الفرار.
وروي أنه لما خرق السد كان ذلك سبب يبس الجنات، فهلكت بهذا الوجه.
وقال المغيرة بن حكيم، وأبو ميسرة : العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي : كل ما بني أو سنم ليمسك الماء.
وقال ابن جبير : العرم : المسناة، بلسان الحبشة.
وقال الأخفش : هو عربي، ويقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة، كأنها الجسور والسداد، ومن هذا المعنى قول الأعشى :
وفي ذاك للمؤتسي أسوة...