وقال ابن عطية : والذي يظهر لي أن معنى ظاهرة : خارجة عن المدة، فهي عبارة عن القرى الصغار التي هي في ظواهر المدن، كأنه فصل بهذه الصفة بين القرى الصغار وبين القرى المطلقة التي هي المدن.
وظواهر المدن : ما خرج عنها في الفيافي والفحوص، ومنه قولهم : نزلنا بظاهر فلاة أى خارجاً عنها، وقوله :﴿ ظاهرة ﴾ : تظهر، تسميه الناس إياها بالبادية والضاحية، ومن هذا قول الشاعر :
فلو شهدتني من قريش عصابة...
قريش البطاح لا قريش الظواهر
يعني : الخارجين من بطحاء مكة.
وفي الحديث :" وجاء أهل الضواحي يسكنون الغرف " ﴿ وقدّرنا فيها السير ﴾ : قد ذكر أن الغادي يقيل في قرية، والرائح في أخرى، إلى أن يصل إلى مقصوده آمناً من عدو وجوع وعطش وآفات المسافر.
قال الضحاك : مقادير المراحل كانت القرى على مقاديرها.
وقال الكلبي : مقادير المقيل والمبيت، وقال القتبي : بين كل قرية وقرية مقدار واحد معلوم، وقيل : بين كل قريتين نصف يوم، وهذه أقوال متقاربة.
والظاهر أن قوله :﴿ سيروا ﴾، أمر حقيقة على لسان أنبيائهم.
وقال الزمخشري : ولا قول ثم، ولكنهم لما مكنوا من السير، وسويت لهم أسبابه، فكأنهم أمروا بذلك وأذن لهم فيه. انتهى.
ودخول الفاء في قوله فكأنهم لا يجوز، والصواب كأنهم لأنه خبر لكنهم.
وقال قتادة : كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان، ولو وجد الرجل قاتل ابنه لم يهجه، وكان المسافر لا يأخذ زاداً ولا سقاء مما بسط الله لهم من النعم.
وقال الزمخشري :﴿ سيروا فيها ﴾، إن شئتم بالليل، وإن شئتم بالنهار، فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات ؛ أو سيروا في آمنين ولا تخافون، وإن تطاولت مدة أسفاركم فيها وامتدت أياماً وليالي ؛ أو سيروا فيها لياليكم وأيامكم مدة أعماركم، فإنكم في كل حين وزمان لا تلقون فيها إلا آمنين. انتهى.


الصفحة التالية
Icon