وقدم الليالي، لأنها مظنة الخوف لمن قال : ومنّ عليهم بالأمن، حتى يساوي الليل النهار في ذلك.
ولما طالت بهم مدة النعمة بطروا وملوا العافية، وطلبوا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، كما فعلت بنو إسرائيل، وقالوا : لو كان جني ثمارنا أبعد لكان أشهى وأغلى قيمة، فتمنوا أن يجعل الله بينهم وبين الشام مفاوز ليركبوا الرواحل فيها ويتزودوا الأزواد فقالوا :﴿ ربنا باعد وبين أسفارنا ﴾.
وقرأ جمهور السبعة : ربنا بالنصب على النداء، باعد : طلب ؛ وابن كثير، وأبو عمرو، وهشام : كذلك، إلا أنهم شددوا العين ؛ وابن عباس، وابن الحنفية، وعمرو بن فائد : ربنا رفعاً، بعد فعلاً ماضياً مشدد العين ؛ وابن عباس أيضاً، وابن الحنفية أيضاً ؛ وأبو رجاء، والحسن، ويعقوب، وأبو حاتم، وزيد بن علي، وابن يعمر أيضاً ؛ وأبو صالح، وابن أبي ليلى، والكلبي، ومحمد بن علي، وسلام، وأبو حيوة : كذلك، إلا أنه بألف بين الباء والعين ؛ وسعيد بن أبي الحسن أخي الحسين، وابن الحنفية أيضاً، وسفيان بن حسين، وابن السميفع : ربنا بالنصب، بعد بضم العين فعلاً ماضياً بين بالنصب، إلا سعيداً منهم، فضم نون بين جعله فاعلاً، ومن نصب، فالفاعل ضمير يعود على السير، أي أبعد السير بين أسفارنا، فمن نصب ربنا جعله نداء، فإن جاء بعده طلب كان ذلك أشراً منهم وبطراً وإن جاء بعد فعلاً ماضياً كان ذلك شكوى مما أحل بهم من بعد الأسفار التي طلبوها أولاً، ومن رفع ربنا فلا يكون الفعل إلا ماضياً، وهي جملة خبرية فيها شكوى بعضهم إلى بعض مما حل بهم من بعد الأسفار.
ومن قرأ باعد، أو بعد بالألف والتشديد، فبين مفعول، به لأنهما فعلان متعديان، وليس بين ظرفاً.
ألا ترى إلى قراءة من رفعه كيف جعله اسماً؟ ﴿ فكذلك ﴾ إذا نصب وقرىء بعد مبنياً للمفعول.
وقرأ ابن يعمر : بين سفرنا مفرداً ؛ والجمهور : بالجمع.
﴿ وظلموا أنفسهم ﴾ : عطف على ﴿ فقالوا ﴾.


الصفحة التالية
Icon