والخزرج ثم قالت : من كان منكم يريد الخمر والخمير والملك والتأسير ويلبس الديباج والحرير فليلحق ببصرى وغوير وهما من أرض الشام فكان الذين سكنوها آل جفنة من غسان ثم قالت : من كان منكم يريد الثياب الرقاق والخيل العتاق وكنوز الأرزاق والدم المهراق فليلحق بأرض العراق فكان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش ومن كان بالحيرة وآل محرق، والحق أن تمزيقهم وتفريقهم في البلاد كان بعد إرسال السيل، نعم لا يبعد خروج بعضهم قبيله حين استشعروا وقوعه، وفي المثل ذهبوا أيدي سبأ ويقال تفرقوا أيدي سبأ ويروي أيادي وهو بمعنى الأولاد لأنهم أعضاد الرجل لتقويه بهم.
وفي المفصل أن الأيدي الأنفس كناية أو مجازاً قال في "الكشف" : وهو حسن، ونصبه على الحالية بتقدير مثل لاقتضاء المعنى إياه مع عدم تعرفه بالإضافة، وقيل : إنه بمعنى البلاد أو الطرق من قولهم خذ يد البحر أي طريقه وجانبه أي تفرقوا في طرق شتى، والظاهر أنه على هذا منصوب على الظرفية بدون تقدير في كما أشار إليه الفاضل اليمني، وربما يظن أن الأيدي أو الأيادي بمعنى النعم وليس كذلك، ويقال في الشخص إذا كان مشتت الهم موزع الخاطر كان أيادي سبأ، وعليه قول كثير عزة :
أيادي سبأ يا عز ما كنت بعدكم...
فلم يحل بالعينين بعدك منظر
﴿ إِنَّ فِى ذَلِكَ ﴾ أي فيما ذكر من قصتهم ﴿ لآيات ﴾ عظيمة ﴿ لّكُلّ صَبَّارٍ ﴾ أي شأنه الصبر على الشهوات ودواعي الهوى وعلى مشاق الطاعات، وقيل : شأنه الصبر على النعم بأن لا يبطر ولا يطغى وليس بذاك ﴿ شَكُورٍ ﴾ شأنه الشكر على النعم، وتخصيص هؤلاء بذلك لأنهم المنتفعون بها.