﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ أي حقق عليهم ظنه أو وجد ظنه صادقاً، والظاهر أن ضمير ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ عائد على سبأ، ومنشأ ظنه رؤية انهماكهم في الشهوات، وقيل : هو لبني آدم ومنشأ ظنه أنه شاهد أباهم آدم عليه السلام وهو هو قد أصغى إلى وسوسته فقاس الفرع على الأصل والولد على الوالد، وقيل : إنه أدرك ما ركب فيهم من الشهوة والغضب وهما منشئان للشرور، وقيل : إن ذاك كان ناشئاً من سماع قول الملائكة عليهم السلام ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] يوم قال سبحانه لهم :﴿ إِنّي جَاعِلٌ فِى الأرض خَلِيفَةً ﴾ [ البقرة : ٠ ٣ ] ويمكن أن يكون منشأ ذلك ما هو عليه من السوء كما قيل :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه...
وصدق ما يعتاده من توهم
وجوز أن يكون كل ماذ كر منشأ لظنه في سبأ، والكلام على الوجه الأول في الضمير على ما قال الطيبي تتمة لسابقه إما حالاً أو عطفاً، وعلى الثاني هو كالتذييل تأكيداً له.
وقرأ البصريون ﴿ صَدَقَ ﴾ بالتخفيف فنصب ﴿ ظَنَّهُ ﴾ على إسقاط حرف الجر والأصل صدق في ظنه أي وجد ظنه مصيباً في الواقع فصدق حينئذٍ بمعنى أصاب مجازاً.
وقيل هو منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي يظن ظنه كفعلته جهدك أي تجهد جهدك، والجملة في موقع الحال و﴿ صَدَقَ ﴾ مفسر بما مر، ويجوز أن يكون منصوباً على أنه مفعول به والفعل متعد إليه بنفسه لأن الصدق أصله في الأقوال والقول مما يتعدى إلى المفعول به بنفسه، والمعنى حقق ظنه كما في الحديث "صدق وعده ونصر عبده" وقوله تعالى :﴿ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عاهدوا الله عَلَيْهِ ﴾ [ الأحزاب : ٣ ٢ ].
وقرأ زيد بن علي.
وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم.
والزهري.


الصفحة التالية
Icon