وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماوات والأرض ﴾
لما ذكر أن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرّة مما يقدر عليه الرّب قرّر ذلك فقال : قل يا محمد للمشركين ﴿ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماوات والأرض ﴾ أي من يخلق لكم هذه الأرزاق الكائنة من السموات ؛ أي عن المطر والشمس والقمر والنجوم وما فيها من المنافع.
"وَالأَرْضِ" أي الخارجة من الأرض عن الماء والنبات أي لا يمكنهم أن يقولوا هذا فِعْلُ آلهتنا فيقولون لا ندري، فقل إن الله يفعل ذلك الذي يعلم ما في نفوسكم.
وإن قالوا : إن الله يرزقنا فقد تقررت الحجة بأنه الذي ينبغي أن يعبد.
﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ هذا على وجه الإنصاف في الحجة ؛ كما يقول القائل : أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب.
والمعنى : ما نحن وأنتم على أمر واحد، بل على أمرين متضادّين، وأحد الفريقين مهتدٍ وهو نحن والآخر ضالّ وهو أنتم ؛ فكذّبهم بأحسن من تصريح التكذيب، والمعنى : أنتم الضالون حين أشركتم بالذي يرزقكم من السموات والأرض.
"أَوْ إِيَّاكُمْ" معطوف على اسم "إنّ" ولو عطف على الموضع لكان "أو أنتم" ويكون "لَعَلَى هُدًى" للأول لا غير.
وإذا قلت :"أَوْ إِيّاكُمْ" كان للثاني أوْلى، وحذفت من الأول، ويجوز أن يكون للأول، وهو اختيار المبرد، قال : ومعناه معنى قول المستبصر لصاحبه على صحة الوعيد والاستظهار بالحجة الواضحة : أحدنا كاذب، قد عرف المعنى، كما تقول : أنا أفعل كذا وتفعل أنت كذا وأحدنا مخطىء، وقد عرف أنه هو المخطىء، فهكذا "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ".
و"أَوْ" عند البصريين على بابها وليست للشك، ولكنها على ما تستعمله العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى.