﴿ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ قال سعيد بن جبير : المعنى إلا من آمن وعمل صالحاً فلن يضره مالُه وولدُه في الدنيا.
وروى ليث عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإيمان والعمل، وجنّبني المالَ والولد، فإني سمعت فيما أوْحيتَ ﴿ وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾.
قلت : قول طاوس فيه نظر، والمعنى والله أعلم : جنّبني المال والولد المطْغِيَيْن أو اللذين لا خير فيهما ؛ فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنِعم هذا وقد مضى هذا في "آل عمران ومريم، والفرقان".
و"مَن" في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، أي لكن من آمن وعمل صالحاً فإيمانه وعمله يقرِّبانه مني.
وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم التي في "تقرّبكم".
النحاس : وهذا القول غلط ؛ لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيداً.
وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء، إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين، ولكن قوله يؤول إلى ذلك، وزعم أن مثله
﴿ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [ الشعراء : ٨٩ ] يكون منصوباً عنده ب"ينفع".
وأجاز الفراء أن يكون "مَن" في موضع رفع بمعنى : ما هو إلا من آمن، كذا قال، ولست أحصِّل معناه.
﴿ فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ ﴾ يعني قوله :﴿ مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [ الأنعام : ١٦٠ ] فالضعف الزيادة، أي لهم جزاء التضعيف، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول.
وقيل : لهم جزاء الأضعاف، فالضعف في معنى الجمع، وإضافة الضعف إلى الجزاء كإضافة الشيء إلى نفسه، نحو : حق اليقين، وصلاة الأولى.
أي لهم الجزاء المضعّف، للواحد عشرة إلى ما يريد الله من الزيادة.
وبهذه الآية استدلّ من فضّل الغنى على الفقر.