ومن نحا نحو أن يكون معنى الآية التفرقةَ بين حالهم وحال أهل الكتاب فذلك منحى واهن لأنه يجرّ إلى معذرة أهل الكتاب في عضّهم بالنواجذ على دينهم، على أنه لم يكن في مدة نزول الوحي بمكة علاقة للدعوة الإِسلامية بأهل الكتاب وإنما دعاهم النبي ﷺ بالمدينة، وأيضاً لا يكون للتقييد بـ ﴿ قبلَك ﴾ فائدة خاصة كما علمت.
وهنالك تفسيرات أخرى أشد بعداً وأبعد عن القصد جداً.
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٥)
هذا تسلية للرسول ﷺ وتهديد للذين كذّبوه، فموقع التسلية منه قوله :﴿ وكذب الذين من قبلهم ﴾، وموقع التهديد بقية الآية، فالتسلية في أن له أسوة بالرسل السابقين، والتهديد بتذكيرهم بالأمم السالفة التي كذَّبتْ رُسلَها وكيف عاقبهم الله على ذلك وكانوا أشد قوة من قريش وأعظم سطوة منهم وهذا كقوله تعالى :﴿ فأهلكنا أشدّ منهم بطشاً ﴾ [ الزخرف : ٨ ].
ومفعول ﴿ كذّب ﴾ محذوف دل عليه ما بعده، أي كذبوا الرسل، دل عليه قوله :﴿ فكذبوا رسلي ﴾.
وضمير ﴿ بلغوا ﴾ عائد إلى ﴿ الذين من قبلهم ﴾، والضمير المنصوب في ﴿ آتيناهم ﴾ عائد إلى ﴿ الذين كفروا ﴾ في قوله :﴿ وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا سحر مبين ﴾ [ سبأ : ٤٣ ].
والمقام يردّ على كل ضمير إلى معاده، كما تقدم قريباً عند قوله تعالى :﴿ أكثرهم بهم مؤمنون ﴾ [ سبأ : ٤١ ].
والمِعشار : العشر، وهو الجزء العاشر مثل المِرباع الذي كان يجعل لقائد الكتيبة من غنائم الجيش في الجاهلية.
وذُكر احتمالان آخران في معاد الضميرين من قوله :﴿ وما بلغوا معشار ما آتيناهم ﴾ لا يستقيم معهما سياق الآية.


الصفحة التالية
Icon