قوله :" جَنَّتان " فيه ثلاثةُ أوجهٍ : الرفعُ على البدلِ من " آيةٌ " وأبدلَ مثنَّى مِنْ مفرد ؛ لأنَّ هذا المفردَ يَصْدُقُ على هذا المثنى. وتقدَّم في قولِه :﴿ وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ﴾ الثاني : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ. وضَعَّفَ ابنُ عطيةَ الأولَ ولم يُبَيِّنْه. ولا يَظْهَرُ ضَعْفُه بل قوتُه، وكأنه توهَّمَ أنهما مختلفان إفراداً وتثنية ؛ فلذلك ضَعُفَ البدلُ عنده. واللَّهُ أعلمُ. الثالث :- وإليه نحا ابن عطية - أَنْ يكونَ " جَنَّتان " مبتدأً، وخبرُه ﴿ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾. ورَدَّه الشيخُ : بأنه ابتداءُ نكرةٍ مِنْ غيرِ مُسَوِّغٍ. واعتذر عنه : بأنَّه قد يُعْتَقَدُ حَذْفُ صفةٍ أي : جنتان لهم، أو جنتان عظيمتان [ إنْ ] صَحَّ ما ذهبَ إليه.
وقرأ ابنُ أبي عبلة " جَنَّتَيْن " بالياءِ نصباً على خبرِ كان، واسمُها " آية ". فإنْ قيل : اسمُ " كان " كالمبتدأ، / ولا مُسَوِّغَ للابتداء به حتى يُجْعَلَ اسم كان. والجوابُ أنه تخصَّصَ بالحالِ المقدَّمَةِ عليه، وهي صفتُه في الأصل. ألا ترى أنه لو تأخَّر " لسبأ " لكان صفةً ل " آيةٌ " في هذه القراءةِ.
قوله :" عن يمينٍ " إمَّا صفةٌ ل " جَنَّتان " أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : هما عن يمين.
قوله :" كُلُوا " على إضمارِ القولِ أي : قال الله أو المَلَكُ.
قوله :" بَلْدَةٌ " أي : بَلْدَتُكُمْ بَلْدَةٌ، وربُّكم ربٌّ غفورٌ. وقرأ رُوَيْس بنصب " بَلْدَة ورَب " على المدحِ، أو اسكنوا واعبدوا. وجعله أبو البقاء مفعولاً به، والعامِلُ فيه " اشكروا " وفيه نظرٌ ؛ إذ يَصيرُ التقدير : اشكروا لربِّكم رَبَّا غفوراً.
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦)


الصفحة التالية
Icon