قوله :﴿ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾ " إيَّاكم " منصوبٌ بخبر كان، قُدِّمَ لأجلِ الفواصلِ والاهتمامِ. واسْتُدِلَّ به على جوازِ تقديم خبر " كان " عليها إذا كان خبرُها جملةً فإنَّ فيه خلافاً : جَوَّزه ابن السَّراج، ومنعَه غيرُه. وكذلك اختلفوا في : توسُّطه إذا كان جملةً، قال ابن السَّراج :" القياسُ جوازُه، ولكنْ لم يُسْمَعْ ". قلت : قد تقدَّم في قوله :﴿ مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ ﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] ونحوه أنه يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ تقديمِ الخبرِ وأَنْ لا يكون. ووجهُ الدلالةِ هنا : أنَّ تقديمَ المعمولِ يُؤْذِنُ بتقديمِ العاملِ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في هود عند قولِه :﴿ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً ﴾ [ هود : ٨ ] ومَنْعُ هذه القاعدةِ.
فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (٤٢)
قوله :﴿ التي كُنتُم بِهَا ﴾ : صفةُ النارِ، وفي السجدة وَصْفُ العذاب. قيل : لأنَّ ثَمَّ كانوا مُلْتَبسين بالعذابِ متردِّدِين فيه فَوُصِفَ لهم ما لابَسُوه، وهنا لم يُلابِسُوه بَعْدُ ؛ لأنه عَقيبُ حَشْرِهم.
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤)
قوله :﴿ يَدْرُسُونَهَا ﴾ : العامَّةُ على التخفيفِ مضارعَ درس مخففاً أي : حَفِظَ. وأبو حيوةَ " يَدَّرِسُوْنَها " بفتح الدال مشددةً وكسرِ الراء. والأصلُ يَدْتَرِسُوْنها من الادِّراس على الافتعالِ فأُدْغم. وعنه أيضاً بضمِّ الياءِ وفتحِ الدالِ وشَدِّ الراءِ من التدريس.


الصفحة التالية
Icon