وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ﴾
تمم الحجة على المشركين ؛ أي قل لهم يا محمد :﴿ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ ﴾ أي أذكّركم وأحذّركم سوء عاقبة ما أنتم فيه.
﴿ بِوَاحِدَةٍ ﴾ أي بكلمة واحدة مشتملة على جميع الكلام، تقتضي نفي الشرك وإثبات الإله.
قال مجاهد : هي لا إله إلا الله ؛ وهذا قول ابن عباس والسّدي.
وعن مجاهد أيضاً : بطاعة الله.
وقيل : بالقرآن ؛ لأنه يجمع كل المواعظ.
وقيل : تقديره بخصلة واحدة، ثم بينها بقوله :﴿ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى ﴾ فتكون "أَنْ" في موضع خفض على البدل من "وَاحِدَة"، أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ، أي هي أن تقوموا.
ومذهب الزجاج أنها في موضع نصب بمعنى لأن تقوموا.
وهذا القيام معناه القيام إلى طلب الحق لا القيام الذي هو ضدّ القعود، وهو كما يقال : قام فلان بأمر كذا ؛ أي لوجه الله والتقرب إليه.
وكما قال تعالى :﴿ وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط ﴾ [ النساء : ١٢٧ ].
﴿ مثنى وفرادى ﴾ أي وُحداناً ومجتمعين ؛ قاله السّديّ.
وقيل : منفرداً برأيه ومشاوراً لغيره، وهذا قول مأثور.
وقال القُتَبِيّ : مناظراً مع غيره ومفكّراً في نفسه، وكله متقارب.
ويحتمل رابعاً أن المَثْنَى عمل النهار والفرادى عمل الليل، لأنه في النهار معانٌ وفي الليل وحيد، قاله الماوردي.
وقيل : إنما قال :"مَثْنَى وَفُرَادَى" لأن الذهن حجة الله على العباد وهو العقل، فأوفرهم عقلاً أوفرهم حظاً من الله، فإذا كانوا فرادى كانت فكرة واحدة، وإذا كانوا مَثْنَى تقابل الذهنان فتراءى من العلم لهما ما أضعف على الانفراد ؛ والله أعلم.
﴿ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ ﴾ الوقف عند أبي حاتم وابن الأنباري على "ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا".


الصفحة التالية
Icon