وكذلك كحفظ بنيته وستر عورته، قال ﷺ :" ليس لآبن آدم حق في سِوى هذه الخصال، بيت يسكنه وثوب يوارِي عورته وجِلْفُ الخبز والماء " وقد مضى هذا المعنى في "الأعراف" مستوفى.
قوله تعالى :﴿ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين ﴾ لما كان يقال في الإنسان : إنه يرزق عياله، والأمير جنده ؛ قال :"وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" والرازق من الخلق يرزق، لكن ذلك من مال يملك عليهم ثم ينقطع، والله تعالى يرزق من خزائن لا تفنى ولا تتناهى.
ومن أخرج من عدم إلى الوجود فهو الرازق على الحقيقة، كما قال :﴿ إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين ﴾ [ الذاريات : ٥٨ ].
قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ﴾ هذا متصل بقوله :﴿ وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ ﴾.
أي لو تراهم في هذه الحالة لرأيت أمراً فظيعاً.
والخطاب للنبيّ ﷺ، والمراد هو وأمته.
ثم قال : ولو تراهم أيضاً "يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً" العابدين والمعبودين، أي نجمعهم للحساب ﴿ ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾.
قال سعيد عن قتادة : هذا استفهام ؛ كقوله عز وجل لعيسى :﴿ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله ﴾ [ المائدة : ١١٦ ].
قال النحاس : فالمعنى أن الملائكة صلوات الله عليهم إذا كذبتهم كان في ذلك تبكيت لهم ؛ فهو استفهام توبيخ للعابدين.
﴿ قَالُواْ سُبْحَانَكَ ﴾ أي تنزيهاً لك.
﴿ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ ﴾ أي أنت ربنا الذي نتولاه ونطيعه ونعبده ونُخلص في العبادة له.
﴿ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن ﴾ أي يطيعون إبليس وأعوانه.
وفي التفاسير : أن حَيًّا يقال لهم بنو مُلَيح من خزاعة كانوا يعبدون الجن، ويزعمون أن الجن تتراءى لهم، وأنهم ملائكة، وأنهم بنات الله ؛ وهو قوله :﴿ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً ﴾ [ الصافات : ١٥٨ ].