هذا، وبعد أن بين اللّه تعالى بأنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإطلاق كيفما يشاء أمر أهل مكة قوم نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم بشكر نعمه التي من جملتها اختصاصهم به، فقال "يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ" التي من جملتها تشريفكم بنبي منكم وجعلكم من أمته
، وأسكنكم حرمه، وأمنكم بمنع غارات الناس عليكم، فأنتم محميّون بحمايته ويتخطف الناس من حولكم فانظروا وتفكروا "هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ" غيثا ونباتا لكم ولأنعامكم.
وهذا استفهام إنكاري لإنكار التصديق وإنكار الحكم، وهو جائز كما في المطول وحواشيه،
أما قول الرضي بأن هل لا تستعمل للإنكار فإنه يريد الإنكار على مدعي الوقوع كما في قوله تعالى (أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) الآية ٤٠ من سورة الإسراء الآتية، والمعنى هل خالق مغاير له تعالى موجود لكم أو لغيركم ؟ كلا، لا خالق سواه البتة "لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" ٣ أي من أين يأتيكم البهت والافتراء والاختلاق بإنكار البعث والتوحيد مع أن اللّه يأمركم بهما ومع اعترافكم بأنه خالقكم ورازقكم، فكيف يتوقع منكم التكذيب والإنكار، وما سبب صدوره منكم ؟ قال تعالى "وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ" يا سيد الرسل فلا يهمنك شأنهم ولا يكن تكذيبهم عليك غمّة "فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ" من قبل أقوامهم وفي هذه الآية تعزية لحضرة الرسول بقومه وتسلية بمن قبله من الأنبياء الكثيرين الذين كذبتهم أقوامهم وأهينوا وقوتلوا مثله، فله أسوة بهم، وفي قوله تعالى "وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" ٤ تهديد للكفار، لأن اللّه تعالى يقول لا تعبأ بهم فمصيرهم إلينا وإنا سنجازي المكذب منهم بما يستحقه.


الصفحة التالية
Icon