وقال بعض المفسرين إن الحلية لا تكون إلا من الماء المالح، وأن ما جاء في آية الرحمن المارة هو على طريق التغليب وإسناد ما للبعض إلى الكل وهو غير وجيه لمخالفة ظاهر الآية وحملها على التأويل دون ضرورة، ولأنه لو فرض أنه لم يخرج من الماء الحلو إلا الصدف لكفى، لأنه حلية من وجه داخلة في قوله تعالى تلبسونها "وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ" أي ماءي الحلو والمالح، كما هو مشاهد، فلا يقال إنها خاصة بالملح أيضا إلا أن الكبار العظام خاصة في البحر والصغار منها فيه وفي الأنهر "مَواخِرَ" تمخر أي
تشق المياه شقا يجريها فيها مقبلة ومدبرة وذلك "لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ" الربح بالتجارات وتزوروا البلدان الناثية والجزر وغيرها، ولتطلعوا على مصنوعات ربكم فيها "وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" ١٢ نعمه عليكم في ذلك كله.
واعلموا أن هذا الإله العظيم "يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ" يدخل أحدهما بالآخر حتى يصير أحدهما بقطرنا مزائدا على الآخر أربع ساعات وكسور بصورة تدريجية، فيبلغ النهار بالصيف أربعة عشرة ساعة ونصف تقريبا، والليل تسعة ونصف، وعلى العكس بالشتاء
ثم يتساويان شيئا فشيئا، وهكذا بعيد الكرة أحدهما على الآخر إلى أن يأذن اللّه لهذا النظام البديع بالانقراض.


الصفحة التالية
Icon