ثم بين جل بيانه بعض ذلك بقوله "جَنَّاتُ عَدْنٍ" إقامة دائمة "يَدْخُلُونَها" بمحض الفضل لا دخل للكسب فيها "يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً" مرصعا فيها، ومن هنا تعلم أهل الدنيا ترصيع الذهب بالأحجار الكريمة "وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ" ٢٣ ناعم زيادة في التنعم والترف، ولما رأى أهل الجنة ما غمرهم به اللّه من فضله شكروه "وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ" الذي كنا نكابده في الدنيا خوف عاقبة هذا اليوم في عدم قبول الأعمال والمؤاخذة على ما صدر منّا.
روى البغوي عن أبي عمر رضي اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ليس
على أهل لا إله إلا اللّه وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا اللّه ينفضون التراب عن رءوسهم، يقولون الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن "إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ" ٣٤ ومن فضله وكرمه لعباده أنه يغفر الذنب العظيم ويشكر العمل القليل "الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ" وهي الجنة لأنها دائمة لا يبرح عنها أهلها ولا يفارقونها عطاء "مِنْ فَضْلِهِ" ولطفه وعطفه، لأن العمل مهما كان كثيرا لا يؤهل صاحبه ما ذكره اللّه له هنا.
ومن تمام النعمة أنه "لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ" تعب ولا مشقة "وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ" ٣٥ كلال وملالة ولا فتور وإعياء، ولم تكرر هذه الكلمة إلا في الآية ٢٨ من سورة ق المارة وهذه الأحوال لا تحصل إلا بنتيجة العناء، وهذا من جملة ما من اللّه به على عباده المؤمنين.
هذا أيها الناس حال أهل الجنة جعلنا اللّه من أهلها، أما حال أهل النار فانظروا ماذا يحلّ بهم من المنتقم الجبار واسألوا اللّه العافية.
مطلب نذر الموت ومعنى الغيب :


الصفحة التالية
Icon