وقال أبو عبد الله الرازي : يزيل بحثه في قوله :﴿ الحمد لله فاطر السموات والأرض ﴾، وهو الذي حكينا عنه أن قوله :﴿ جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ﴾، أقل ما يكون لذي الجناح، إشارة إلى الجهة، وبيانه أن الله ليس شيء فوقه، وكل شيء تحت قدرته ونعمته، والملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما أخذوه بإذن الله، كما قال تعالى :
﴿ نزل به الروح الأمين على قبلك ﴾ وقوله :﴿ علمه شديد القوى ﴾ وقال تعالى في حقهم :﴿ فالمدبرات أمراً ﴾ فهما جناحان، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة، وفيهم من يفعله لا بواسطة.
فالفاعل بواسطة فيهم من له ثلاث جهات، ومنهم من له أربع جهات وأكثر. انتهى.
وبحثه في هذه، وفي ﴿ فاطر السموات والأرض ﴾ بحث عجيب، وليس على طريقة فهم العرب من مدلولات الألفاظ التي حملها ما حمل.
والظاهر أن مثنى وما بعده من صفات الأجنحة، وقيل :﴿ أولي أجنحة ﴾ معترض، و﴿ مثنى ﴾ حال، والعامل فعل محذوف يدل عليه ﴿ رسلاً ﴾، أي يرسلون مثنى وثلاث ورباع.
قيل : وإنما جعلهم أولي أجنحة، لأنه لما جعلهم رسلاً، جعل لهم أجنحة ليكون أسرع لنفاد الأمر وسرعة إنفاذ القضاء.
فإن المسافة التي بين السماء والأرض لا تقطع بالأقدام إلا في سنين، فجعلت لهم الأجنحة حتى ينالوا المكان البعيد في الوقت القريب كالطير.
﴿ يزيد في الخلق ما يشاء ﴾ : تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب من خبر الملائكة أولي أجنحة، أي ليس هذا ببدع في قدرة الله، فإنه يزيد في خلقه ما يشاء، والظاهر عموم الخلق.
وقال الفراء : هذا في الأجنحة التي للملائكة، أي يزيد في خلق الملائكة الأجنحة.


الصفحة التالية
Icon