وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ وَالِاتِّصَالِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، فَإِنَّ فِيهَا إِبْطَالَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمِلَلِ السَّابِقَةِ مِنِ اعْتِقَادِ أَنَّ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ - تَعَالَى - لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ إِلَّا فِي الْهَيْكَلِ وَالْمَعْبَدِ الْمَخْصُوصِ، وَفِي إِبْطَالِ هَذَا إِزَالَةُ مَا عَسَاهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ وَعِيدِ مَنْ مَنْعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ مِنْ أَنَّهُ وَعِيدٌ عَلَى إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَخْصُوصَةِ ؛ لِأَنَّهُ إِبْطَالٌ لَهَا بِالْمَرَّةِ، إِذْ لَا تَصِحُّ إِلَّا فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَنْفِي ذَلِكَ التَّوَهُّمَ مِنْ حَيْثُ تُثْبِتُ لَنَا قَاعِدَةً مِنْ أَهَمِّ قَوَاعِدِ الِاعْتِقَادِ، وَهِيَ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَا تُحَدِّدُهُ الْجِهَاتُ، وَلَا تَحْصُرُهُ الْأَمْكِنَةُ، وَلَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالْبِقَاعِ
وَالْمَعَاهِدِ، وَلَا تَنْحَصِرُ عِبَادَتُهُ فِي الْهَيَاكِلِ وَالْمَسَاجِدِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ الْوَعِيدُ لِانْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللهِ وَإِبْطَالِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ عِبَادَتِهِ، وَهُوَ الْعِبَادَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فِي أَشْرَفِ الْمَعَاهِدِ عَلَى خَيْرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُطَهِّرُ نُفُوسَهُمْ وَتُهَذِّبُ أَخْلَاقَهُمْ.