وَأَمَّا قَوْلُهُ :(وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ إِيجَادَ أَمْرٍ وَإِحْدَاثَهُ، فَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، فَيَكُونُ مَوْجُودًا، فَكُنْ وَيَكُونُ مِنْ كَانَ التَّامَّةِ. وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا ضَرْبٌ مِنَ التَّمْثِيلِ، أَيْ أَنَّ تَعَلُّقَ إِرَادَتِهِ - تَعَالَى - بِإِيجَادِ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَجُودُهُ، كَأَمْرٍ يَصْدُرُ فَيَعْقُبُهُ الِامْتِثَالُ، فَلَيْسَ بَعْدَ الْإِرَادَةِ إِلَّا حُصُولُ الْمُرَادِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ هُوَ قَوْلٌ حَقِيقِيٌّ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْخِلَافُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَجِيبٌ وُقُوعُهُ مِنْهُمْ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ مَذْهَبَيْنِ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي يَسْتَحِيلُ حَمْلُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، وَهُمَا : مَذْهَبُ السَّلَفِ فِي التَّفْوِيضِ، وَمَذْهَبُ الْخَلَفِ فِي التَّأْوِيلِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ، وَالْقَاعِدَةُ فِي تَأْوِيلِ مِثْلِهِ مَعْرُوفَةٌ وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ إِرْجَاعُ النَّقْلِيِّ إِلَى الْعَقْلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَهَاهُنَا يَقُولُونَ : إِنَّ الْأَمْرَ بِمَعْنَى تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ وَأَنَّ مَعْنَى (يَكُونُ) يُوجَدُ.
وَأَقُولُ : إِنَّ الْأَمْرَ بِكَلِمَةِ (كُنْ) هُنَا هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا يُسَمُّونَهُ أَمْرَ التَّكْوِينِ، وَيُقَابِلُهُ أَمْرُ التَّكْلِيفِ، فَالْأَوَّلُ مُتَعَلِّقُ صِفَةِ الْإِرَادَةِ، وَالثَّانِي مُتَعَلِّقُ صِفَةِ الْكَلَامِ،


الصفحة التالية
Icon