وثالثها : أن يكون المراد من الحق الدين والقرآن، أي أرسلناك بالقرآن حال كونك بشيراً لمن أطاع الله بالثواب، ونذيراً لمن كفر بالعقاب، والأولى أن يكون البشير والنذير حالاً من الرسول، أي : أرسلناك بالحق لتكون بشيراً ونذيراً لمن اتبعك [ ونذيراً لمن كفر بك ] ويجوز أن يكون بشيراً ونذيراً حالاً من " الحق " ؛ لأنه يوصف أيضاً بالبشارة والنَّذَارة، وبشير ونذير على صيغة " فعيل ".
أما بشير فتقول : هو من بَشَرَ مخففاً ؛ لأنه مسموع فيهن و" فعيل " مطرد من الثلاثي.
وأما :" نذير " فمن الرباعي، ولا ينقاس عَدْل مُفْعِل إلى فَعِيل، إلا أن له هنا مُحَسِّناً.
قوله تعالى :" وَلاَ تُسْأَلُ " قرأ الجمهور :" تُسْأَلُ " مبنيًّا للمعفول مع رفع الفعل معلى النفي، وفي معنى هذه القراءة وجوه :
أحدها : أن مصيرهم إلى الجحيم، فمعصيتهم لا تضّرك، ولست مسؤولاً عن ذلك، وهنو كقوله :﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب ﴾ [ الرعد : ٤٠ ] وقوله :﴿ عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ ﴾ [ النور : ٥٤ ].
الثاني : أنك هَادٍ وليسي لك من الأمر شيء، ولا تَغْتَمّ لكفرهم ومصيرهم إلى العذاب، ونظيره قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [ فاطر : ٨ ].
الثالث : أنك لا تسأل عن ذَنْب غيرك ويعضد هذه القراءة قراءة أُبَيّ :" وما تسأل "، وقراءة عبدالله " ولن تسأل ".
وقال مقاتل رحمه الله تعالى : إن النبي ﷺ قال :" لَوْ أنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ بَأْسَهُ بِاليَهُودِ لآمَنُوا " ؛ فأنزل