وهو أصح مما يذهب إليه القوم وذلك لأن الماء العذب إذا ألقى فيه ملح حتى ملح لا يقال له إلا مالح، وماء ملح يقال للماء الذي صار من أصل خلقته كذلك، لأن المالح شيء فيه ملح ظاهر في الذوق، والماء الملح ليس ماء وملحاً بخلاف الطعام المالح فالماء العذب الملقى فيه الملح ماء فيه ملح ظاهر في الذوق، بخلاف ما هو من أصل خلقته كذلك، فلما قال الفقيه الملح أجزاء أرضية سبخة يصير بها ماء البحر مالحاً راعى فيه الأصل فإنه جعله ماء جاوره ملح، وأهل اللغة حيث قالوا في البحر ماؤه ملح جعلوه كذلك من أصل الخلقة، والأجاج المر، وقوله :﴿وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً﴾ من الطير والسمك ﴿وتستخرجون حلية تلبسونها﴾ من اللؤلؤ والمرجان ﴿وَتَرَى الفلك فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ أي ماخرات تمخر البحر بالجريان أي تشق، وقوله :﴿لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ يدل على ما ذكرناه من أن المراد من الآية الاستدلال بالبحرين وما فيهما على وجود الله ووحدانيته وكمال قدرته.
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى
استدلال آخر باختلاف الأزمنة وقد ذكرناه مراراً، وذكرنا أن قوله تعالى بعده :﴿وَسَخَّرَ الشمس والقمر﴾ جواب لسؤال يذكره المشركون وهو أنهم قالوا اختلاف الليل والنهار بسبب اختلاف القسي الواقعة فوق الأرض وتحتها، فإن في الصيف تمر الشمس على سمت الرؤوس في بعض البلاد الماثلة في الآفاق، وحركة الشمس هناك حمائلية فتقع تحت الأرض أقل من نصف دائرة زمان مكثها تحت الأرض فيقصر الليل وفي الشتاء بالضد فيقصر النهار فقال الله تعالى :﴿وَسَخَّرَ الشمس والقمر﴾ يعني سبب الاختلاف وإن كان ما ذكرتم، لكن سير الشمس والقمر بإرادة الله وقدرته فهو الذي فعل ذلك.