هذه آية أخرى يستدل بها كل عاقل ويقطع أنها مما لا مدخل لصنم فيه، و﴿ البحران ﴾ يريد بهما جميع الماء الملح وجميع الماء العذب حيث كان، فهو يعني به جملة هذا وجملة هذا، و" الفرات " الشديد العذوبة، و" الأجاج " الشديد الملوحة الذي يميل إلى المرارة من ملوحته، قال الرماني هو من أججت النار كأنه يحرق من حرارته، وقرأ عيسى الثقفي " سيّغ شرابه " بغير ألف وبشد الياء، وقرأ طلحة " مَلِح " بفتح الميم وكسر اللام، و" اللحم الطري " الحوت وهو موجود في البحرين، وكذلك ﴿ الفلك ﴾ تجري في البحرين، وبقيت " الحلية " وهي اللؤلؤ والمرجان، فقال الزجاج وغيره هذه عبارة تقتضي أن الحلية تخرج منهما، وهي إنما تخرج من الملح وذلك تجوز كما قال في آية أخرى ﴿ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ﴾ [ الرحمن : ٢٢ ]، وكما قال ﴿ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ﴾ [ الأنعام : ١٢٨ ]، والرسل إنما هي من الإنس، وقال بعض الناس بل الحلية تخرج من البحرين، وذلك أن صدف اللؤلؤ إنما يلحقه فيما يزعمون ماء النيسان، فمنه ما يخرج ويوجد الجوهر فيه، ومنه ما ينشق في البحر عند موته وتقطعه، فيخرج جوهرة بالعطش وغير ذلك من الحيل، فهذا هو من الماء الفرات، فنسب إليه الإخراج لما كان من الحلية بسبب، وأيضاً فإن المرجان يزعم طلابه في البحر أنه إنما يوجد وينبت في موضع بإزائها انصباب ماء أنهار في البحر وأيضاً فإن البحر الفرات كل ينصب في البحر الأجاج فيجيء الإخراج منهما جميعاً.
قال القاضي أبو محمد : وقد خطىء أبو ذؤيب في قوله في صفة الجوهر :[ الطويل ]
فجاء بها ما شئت من لطمية... وجهها ماء الفرات يموج