ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ :"وَلاَ الضّألين" لأن كل واحد منهما فرّ من التقاء الساكنين، فحرّك ذلك أوّلهما، وحذف هذا آخرهما ؛ قاله الزمخشريّ.
﴿ والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ أي فيهم الأحمر والأبيض والأسود وغير ذلك، وكل ذلك دليل على صانع مختار.
وقال :"مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ" فذكَّر الضمير مراعاة ل"من" ؛ قاله المؤرِّج.
وقال أبو بكر بن عياش : إنما ذكر الكناية لأجل أنها مردودة إلى "ما" مضمرة ؛ مجازه : ومن الناس ومن الدواب ومن الأنعام ما هو مختلف ألوانه، أي أبيض وأحمر وأسود.
﴿ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ قال أبو عبيدة : الغِربيب الشديد السواد ؛ ففي الكلام تقديم وتأخير، والمعنى : ومن الجبال سود غرابيب.
والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب : أسود غربيب.
قال الجوهري : وتقول هذا أسود غربيب ؛ أي شديد السواد.
وإذا قلت : غرابيب سود، تجعل السود بدلاً من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم.
وفي الحديث عن النبيّ ﷺ :" إن الله يبغض الشيخ الغربيب " يعني الذي يخضِب بالسواد.
قال امرؤ القيس :
العين طامحة واليد سابحة...
والرِّجْل لافحة والوجه غربيب
وقال آخر يصف كَرْماً :
ومن تعاجيب خلق الله غاطيةٌ...
يُعصَر منها مُلاحِيٌّ وغِربيب
﴿ كَذَلِكَ ﴾ هنا تمام الكلام ؛ أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية، ثم استأنف فقال :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته ؛ فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بمعاقبته على المعصية، كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" قال : الذين علموا أن الله على كل شيء قدير.
وقال الربيع بن أنس : من لم يخش الله تعالى فليس بعالِم.
وقال مجاهد : إنما العالِم من خشي الله عز وجل.