اتفق أكثر المفسرين على أن المراد من الكتاب القرآن وعلى هذا فالذين اصطفيناهم الذين أخذوا بالكتاب وهم المؤمنون والظالم والمقتصد والسابق كلهم منهم ويدل عليه قوله تعالى :﴿جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [ الرعد : ٢٣ ] أخبر بدخولهم الجنة وكلمة ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا﴾ أيضاً تدل عليه لأن الإيراث إذا كان بعد الإيحاء ولا كتاب بعد القرآن فهو الموروث والإيراث المراد منه الإعطاء بعد ذهاب من كان بيده المعطى، ويحتمل أن يقال المراد من الكتاب هو جنس الكتاب كما في قوله تعالى :﴿جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير﴾ [ فاطر : ٢٥ ] والمعنى على هذا : إنا أعطينا الكتاب الذين اصطفينا وهم الأنبياء ويدل عليه أن لفظ المصطفى على الأنبياء إطلاقه كثير ولا كذلك على غيرهم لأن قوله :﴿مِّنْ عِبَادِنَا﴾ دل على أن العباد أكابر مكرمون بالإضافة إليه، ثم إن المصطفين منهم أشرف منهم ولا يليق بمن يكون أشرف من الشرفاء أن يكون ظالماً مع أن لفظ الظالم أطلقه الله في كثير من المواضع على الكافر وسمي الشرك ظلماً، وعلى الوجه الأول الظاهر بين معناه آتينا القرآن لمن آمن بمحمد وأخذوه منه وافترقوا ﴿فَمِنْهُمْ ظالم﴾ وهو المسيء ﴿وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ﴾ وهو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات﴾ وهو الذي أخلص العمل لله وجرده عن السيئات، فإن قال قائل كيف قال في حق من ذكر في حقه أنه من عباده وأنه مصطفى إنه ظالم ؟ مع أن الظالم يطلق على الكافر في كثير من المواضع، فنقول المؤمن عند المعصية يضع نفسه في غير موضعها فهو ظالم لنفسه حال المعصية وإليه الإشارة بقوله ﷺ :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " ويصحح هذا قول عمر رضي الله عنه عن النبي ﷺ :" ظالمنا مغفور له " وقال آدم عليه السلام مع كونه مصطفى :﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] وأما الكافر


الصفحة التالية
Icon